أعلم رَحِمك الله أَنه قد وَجب فِي الحكم الأول والقضية السَّابِقَة دُخُول النَّار على طوائف من الْمُؤمنِينَ مِمَّن أوبقتهم سيئاتهم وأحاطت بهم خطيئاتهم فَلم تمحها عَنْهُم عقوبات الدُّنْيَا وَلَا عَذَاب الْقَبْر وَلَا أهوال يَوْم الْحَشْر وكل إِنْسَان مِنْهُم تنَال مِنْهُ النَّار بِمِقْدَار عمله وَتَأْخُذ مِنْهُ إِلَى الْحَد الَّذِي أمرت بِهِ
ثمَّ إِن الله تَعَالَى بفضله وَرَحمته يقبل فيهم شَفَاعَة الشافعين ورغبة الراغبين وسؤال السَّائِلين من الْأَنْبِيَاء وَالصديقين وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَالْعُلَمَاء العاملين وكل من لَهُ عِنْد الله جاه ومنزلة قد بلغَهَا بِعَمَلِهِ ونالها بِصَالح سَعْيه فَإِن لَهُ شَفَاعَة فِي أَهله وبنيه وأقربائه وأوليائه بل رُبمَا فِي الرجل كَانَ يعرفهُ فِي الدُّنْيَا وَلم يكن بَينهمَا صُحْبَة وَلَا كثير معرفَة
وَاعْلَم أَن الجاه الَّذِي تكون بِهِ الشَّفَاعَة وَيقبل بِهِ السُّؤَال وتقضى بِهِ الْحَوَائِج وَتحصل بِهِ الْمنزلَة عِنْد الله تَعَالَى إِنَّمَا يكون اكتسابه فِي الدُّنْيَا وتحصيله هُنَا بِالْعَمَلِ الصَّالح على الْحَد الَّذِي حد لَهُ فِيهِ وَالطَّرِيق الَّذِي أَمر أَن يسلكه إِلَيْهِ
وَمن ذَلِك الْعَمَل التَّوَاضُع للْمُسلمين ولين الْجنَاح لَهُم وَاحْتِمَال الْأَذَى مِنْهُم وَالصَّبْر عَلَيْهِم وَإِسْقَاط الْمنزلَة عِنْدهم وطلبها عِنْد خالقهم جلّ جَلَاله
وَقد تقدم حَدِيث مُسلم بِإِسْنَادِهِ عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنا أول النَّاس يشفع فِي الْجنَّة وَأَنا أَكثر الْأَنْبِيَاء تبعا
وَذكر أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أنس بن مَالك قَالَ قَالَ رَسُول الله