قد تقدم الْكَلَام فِي ذكر الْمَوْت وغصته وكربه وشدته وَعَذَاب الْقَبْر وفتنته وضيقه وظلمته ومنكر وَنَكِير ورؤيتهما وَسَمَاع كَلَامهمَا على فظاظتهما وغلظتهما وبشاعة منظرهما وتكلف جوابهما والتوقي من مقامعهما بالأقرار بالربوبية وَالشَّهَادَة بالرسالة لمن ثبته الله تَعَالَى بالْقَوْل الثَّابِت وأمده بِنور الْإِيمَان وألهمه حجَّته وَإِن فِي ذكر هَذَا لتنبيها من الْغَفْلَة وتنشيطا من الكسل وحلا من عقال البطالة وصرفا عَن اللَّذَّات وردعا عَن نيل الشَّهَوَات بل فِيهِ مَا يذهل النُّفُوس وَيُمِيت الْقُلُوب أَن تنَال من الدُّنْيَا حظها الَّذِي يكون بِهِ حَيَاتهَا وَيكون بِهِ قوامها وَيُقِيم بِهِ رمقها فَكيف أَن ينَال مِنْهَا غير ذَلِك فَكيف بِمَا وَرَاء هَذَا من جمع الْعباد ليَوْم التناد وَيَوْم يقوم الاشهاد وَحشر الْأُمَم لذَلِك الْيَوْم الْأَعْظَم
وَاعْلَم أَن الْإِنْسَان لَا يخرج من الدُّنْيَا حَتَّى يرى مَكَانَهُ من إِحْدَى الدَّاريْنِ وَصَحبه من أحد الْفَرِيقَيْنِ وَأَنه لَا تزَال نَفسه معذبة أَو منعمة إِلَى يَوْم الْجَزَاء والاجتماع لفصل الْقَضَاء وَبعد ذَلِك يَتَجَدَّد النَّعيم أَو الْعَذَاب على وَجه آخر وَصفَة أُخْرَى مِمَّا سَيَأْتِي مِمَّا أمكن ذكره مِنْهُ بعد هَذَا إِن شَاءَ الله عز وَجل
وَاعْلَم أَن الله تبَارك وَتَعَالَى خلق للجنة أَهلا وَخلق للنار خلقا وهم مَعَ السَّاعَات راحلون وَمَعَ الأنفاس ظاعنون إِلَى دَار البلى ومعسكر الْمَوْتَى