أَيهَا الْمَاشِي بَين الْقُبُور ... غافلا عَن حَقِيقَة المقبور

أَنا ميت كَمَا تراني طريح ... بَين أطباق رضمة وصخور

ادن مني أنبيك عني ... وَلَا ينبيك عني مثل خَبِير

أَنا فِي بَيت غربَة وانفراد ... مَعَ قربي من جيرتي وعشيرتي

لَيْسَ لي فِيهِ مؤنس غير سعي ... من صَلَاح سعيته أَو فجور

وَكَذَا أَنْت فاتعظ بِي وَإِلَّا ... فعذيري مِنْك الْغَدَاة عذير

فَمن رأى قبرا فَإِنَّمَا رأى واعظا يعظه ومذكرا يذكرهُ فَإِن كَانَ الْقَبْر ساكتا فَإِنَّهُ نَاطِق بِلِسَان الْحَال ومفصح بِمَا يكون مِنْك فِي الْمَآل فَكَأَنَّهُ إِنَّمَا يخاطبك إِنْسَان وَيبين لَك عاقبتك وَيَقُول لَك يَا هَذَا كنت حَيا مثلك وَقد مت وَكَذَلِكَ أَنْت تَمُوت فضيعت أَمر رَبِّي وندمت وَكَذَلِكَ إِن ضيعت أَمر رَبك ستندم كَمَا قَالَ الْقَائِل

أَلا قل لماش على قبرنا ... غفول عَن أَشْيَاء حلت بِنَا

سيندم يَوْمًا لتَفْرِيطه ... كَمَا قد ندمنا لتفريطنا

فويحك كف خطام الْهوى ... وَقدم جميلا تفز بالمنى

والسعيد من وعظ بِغَيْرِهِ والشقي من وعظ بِنَفسِهِ وَإِنَّمَا هِيَ سَاعَة وَاحِدَة وَإِن طَال المدى وامتد الْعُمر واتصلت الْأَيَّام كَمَا قَالَ الْقَائِل

وَإِنَّمَا عمرك المرجى ... هَذَا الَّذِي نلته كساعة

وَقَالَ الْأَصْمَعِي أُصِيب حَصِير حول الْحيرَة أجرد فِيهِ رجل عَلَيْهِ خلقان وَعند رَأسه لوح مَكْتُوب فِيهِ أَنا عبد الْمَسِيح بن حَيَّان بن نفيلة

حلبت الدَّهْر أشطره حَياتِي ... ونلت من المنى فَوق الْمَزِيد

وكافحت الْأُمُور وكافحتني ... فَلم أخضع لمعضلة كؤود

وكدت أنال بالشرف الثريا ... وَلَكِن لَا سَبِيل إِلَى الخلود

طور بواسطة نورين ميديا © 2015