دَاعيا وَمر بعسكرهم وَانْظُر إِلَى تقَارب مَنَازِلهمْ وسل غنيهم مَا بَقِي من غناهُ وسل فقيرهم مَا بَقِي من فقره وأسألهم عَن الألسن الَّتِي كَانُوا بهَا يَتَكَلَّمُونَ وَعَن الْأَعْين الَّتِي كَانُوا بهَا ينظرُونَ وسلهم عَن الْأَعْضَاء الرقيقة وَالْوُجُوه الْحَسَنَة والأجساد الناعمة مَا صنعت بهَا الديدان محت الألوات وأكلت اللحمان وعفرت الْوُجُوه ومحت المحاسن وَكسرت الفقار وأبانت الْأَعْضَاء ومزقت الأشلاء
قد حيل بَينهم وَبَين الْعَمَل وفارقوا الْأَحِبَّة فكم من ناعم وناعمة أَصبَحت وُجُوههم بالية وأجسادهم من أَعْنَاقهم بَائِنَة وأوصالهم متمزقة وَقد سَالَتْ الحدق على الوجنات وامتلأت الأفواه دَمًا وصديدا ودبت دَوَاب الأَرْض فِي أجسامهم وَتَفَرَّقَتْ أعضاؤهم ثمَّ لم يَلْبَثُوا وَالله إِلَّا يَسِيرا حَتَّى عَادَتْ الْعِظَام رميما قد فارقوا الحدائق فصاروا بعد السعَة إِلَى المضايق قد تزوجت نِسَاؤُهُم وترددت فِي الطّرق أبناؤهم فَمنهمْ وَالله الموسع لَهُ فِي قَبره الغض الناعم فِيهِ المتنعم بلذته فيا سَاكن الْقَبْر مَا الَّذِي غَرَّك فِي الدُّنْيَا هَل تظن أَنَّك تبقى أَو تبقى لَك أَيْن دَارك الفيحاء نهرك المطرد وَأَيْنَ ثمرتك الْحَاضِر ينعها وَأَيْنَ رقاق ثِيَابك وَأَيْنَ كسوتك لصيفك وشتائك هَيْهَات هَيْهَات يَا مغمض الْوَالِد وَالْأَخ وغاسله يَا مكفن الْمَيِّت وحامله يَا مدليه فِي قَبره وراحل عَنهُ
لَيْت شعري كَيفَ نمت على خشونة الثرى يَا لَيْت شعري بِأَيّ خديك بَدَأَ البلى يَا مجاور الهلكى صرت فِي محلّة الْمَوْتَى
لَيْت شعري مَا الَّذِي يلقاني بِهِ ملك الْمَوْت عِنْد خروجي من الدُّنْيَا وَمَا يأتيني بِهِ من رِسَالَة رَبِّي ثمَّ أنْشد
تغر بِمَا يفني وتشغل بالصبا ... لقد غر باللذات فِي النّوم حالم
نهارك يَا مغرور سَهْو وغفلة ... وليلك نوم والردى لَك لَازم