فَكَتَبَ أَبُو جَعْفَرٍ إِلَى عِيسَى بْنِ مُوسَى يُعْلِمُهُ ذَلِكَ وَيَأْمُرُهُ أَنْ يَقْبَلَ إِلَيْهِ1، فَوَافَاهُ رَسُولُ أَبِي جَعْفَرٍ وَكِتَابُهُ وَقَدْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فرفضها وأقبل إلى أبي جعفر، فوجهه في القواد والجند والسلاح إِلَى إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنٍ، وَأَقْبَلَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ كَبِيرَةٌ مِنْ أَفْنَاءِ النَّاسِ أَكْثَرَ مِنْ جَمَاعَةٍ عيسى، فالتقوا بياجُمَيْزي -وَهِيَ عَلَى سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا مِنَ الْكُوفَةِ- فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا وَانْهَزَمَ حُمَيد بْنُ قَحْطَبَةَ وَكَانَ عَلَى مُقَدِّمَةِ عِيسَى بْنِ مُوسَى وَانْهَزَمَ النَّاسُ مَعَهُ، فَعَرَضَ لَهُمْ عِيسَى بْنُ مُوسَى يُنَاشِدُهُمُ اللَّهَ وَالْجَمَاعَةَ، فَلَا يَلْوُونَ عَلَيْهِ، وَيَمُرُّونَ مُنْهَزِمِينَ. فَأَقْبَلَ حُميد مُنْهَزِمًا فَقَالَ لَهُ عِيسَى: يا حميد [230/ب] اللَّهَ اللَّهَ فِي الطَّاعَةِ، فَقَالَ: "لَا طَاعَةَ فِي الْهَزِيمَةِ وَمَرَّ، وَمَرَّ النَّاسُ كُلُّهُمْ حَتَّى لم يبق منهم أحد بين عيسى بن موسى وَعَسْكَرَ إِبْرَاهِيمُ، وَثَبَتَ عِيسَى فِي مَكَانِهِ الَّذِي كَانَ بِهِ، لَا يَزُولُ وَهُوَ فِي مِائَةِ رَجُلٍ مِنْ خَاصَّتِهِ وَحَشَمِهِ"2 فَقِيلَ لَهُ: "أَصْلَحَ اللَّهُ الْأَمِيرَ لَوْ تَنَحَّيْتَ عَنْ هَذَا الْمَكَانِ حتى يثوب إليك الناس فتَكر بِهِمْ. فَقَالَ: لَا أَزُولُ مِنْ مَكَانِي هَذَا أَبَدًا حَتَّى أُقتل أَوْ يَفْتَحَ اللَّهُ عَلَيَّ، وَلَا يُقَالُ إِنَّهُ انْهَزَمَ"3. وَأَقْبَلَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عبد الله في عسكره يدنو ويدنوا غُبَارُ عَسْكَرِهِ حَتَّى يَرَاهُ عِيسَى بْنُ مُوسَى ومن معه، فبيناهم عَلَى ذَلِكَ إِذَا فَارِسٌ قَدْ أَقْبَلَ، قَدْ كَرَّ رَاجِعًا يَجْرِي نَحْوَ إِبْرَاهِيمَ لَا يُعرَّج عَلَى شَيْءٍ، فَإِذَا هُوَ حُميد بْنُ قَحْطَبَةَ قَدْ غَيَّرَ لَأْمَتَهُ4 وَعَصَبَ رَأْسَهُ بِعِصَابَةٍ صَفْرَاءَ، وكرَّ النَّاسُ يَتْبَعُونَهُ حَتَّى لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِمَّنْ كَانَ انْهَزَمَ إِلَّا رَجَعَ كارَّاً حَتَّى خَالَطُوا الْقَوْمَ، فَقَاتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا حَتَّى قَتَلَ الفريقان بعضهم