فلم يستجب هؤلاء الحفاظ لقول المأمون إلا تقيَّة وهم كارهون، يخشون على أنفسهم الموت، فكان يحي بن معين، وغيره يقولون: أجبنا خوفاً من السيف1.
وهكذا فإن الإمام أحمد أخذ بالعزيمة وكثير من أقرانه أخذوا بالرخصة رغم أن مكانتهم العلمية واحتمال متابعة العامة لهم تقتضي أن يأخذوا بالعزيمة وذلك خوف أن يفتن الناس بسببهم2.
وقد أنكر الإمام أحمد بن حنبل عليهم موقفهم وحلف أن لا يكلم أحداً ممن أجاب في المحنة حتى يلقى الله عز وجل، وكره الكتابة عنهم3، وأنكر هذا الإنكار الشديد عليهم4 لأنه رأى فيهم قدوة لهذه الأمة، باعتبارهم من العلماء المتصدرين لرواية العلم، وتنقية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من دسائس الوضع، وتمييز صحيحه من سقيمه، لطول باعهم في علم الرجال، كما شهد لهم واعتمد عليهم من بعدهم ممن عُني بهذا الفن.
ولو نظرنا في ترجمة ابن سعد عن بعض أئمة الجرح والتعديل -كابن أبي حاتم5، والخطيب البغدادي6، والمزّي7، وابن عبد الهادي8، والذهبي9،