فَقَدِ اشْتَدَّ الشَّوْقُ إِلَى الْعِيَالِ وَالصِّبْيَانِ , فَقَالَ لِي: لَا تَفْعَلْ , فَلَمْ أَزَلْ أُنَازِلُهُ حَتَّى أَذِنَ لِي وَاسْتَخْرَجَ لِي الثَّلَاثِينَ الْأَلْفِ دِرْهَمٍ , وَهُيِّئَتْ لِي حَرَّاقَةٌ بِجَمِيعِ مَا فِيهَا , وَأَمَرَ أَنْ يُشْتَرَى لِي مِنْ طَرَائِفِ الشَّامِ لِأَحْمِلَهُ مَعِي إِلَى الْمَدِينَةِ , وَأَمَرَ وَكِيلَهُ بِالْعِرَاقِ أَنْ يَكْتَرِيَ لِي إِلَى الْمَدِينَةِ لَا أُكَلَّفُ نَفَقَةَ دِينَارٍ وَلَا دِرْهَمٍ , فَصِرْتُ إِلَى أَصْحَابِي , فَأَخْبَرْتُهُمْ بِالْخَبَرِ , وَحَلَفْتُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَأْخُذُوا مِنِّي مَا أَصِلُهُمْ بِهِ , فَحَلَفَ الْقَوْمُ: أَنَّهُمْ لَا يَرْزَؤُنِي دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا , فَوَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ مِثْلَ أَخْلَاقِهِمْ , فَكَيْفَ أُلَامُ عَلَى حُبِّي لِيَحْيَى بْنِ خَالِدٍ " وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُسَبِّحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ الْوَاقِدِيِّ جَالِسًا إِذْ ذَكَرَ يَحْيَى بْنَ خَالِدِ بْنِ بَرْمَكٍ قَالَ: فَتَرَحَّمَ عَلَيْهِ الْوَاقِدِيُّ فَأَكْثَرَ التَّرَحُّمَ. قَالَ: فَقُلْنَا لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ , إِنَّكَ لَتُكْثِرُ التَّرَحُّمَ عَلَيْهِ قَالَ: وَكَيْفَ لَا أَتَرَحَّمُ عَلَى رَجُلٍ. أُخْبِرُكَ عَنْ حَالِهِ؟ كَانَ قَدْ بَقِيَ عَلَيَّ مِنْ شَهْرِ شَعْبَانَ أَقَلُّ مِنْ عَشَرَةِ أَيَّامٍ , وَمَا فِي الْمَنْزِلِ دَقِيقٌ وَلَا سَوِيقٌ وَلَا عَرَضٌ مِنْ عُرُوضِ الدُّنْيَا , فَمَيَّزْتُ ثَلَاثَةً مِنْ إِخْوَانِي فِي قَلْبِي , فَقُلْتُ: أُنْزِلُ بِهِمْ حَاجَتِي , فَدَخَلْتُ عَلَى أُمِّ عَبْدِ اللَّهِ وَهِيَ زَوْجَتِي , فَقَالَتْ: مَا وَرَاءَكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ , وَقَدْ أَصْبَحْنَا وَلَيْسَ فِي الْبَيْتِ عَرَضٌ مِنْ عُرُوضِ الدُّنْيَا مِنْ طَعَامْ أَوْ سَوِيقٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ؛ وَقَدْ وَرَدَ هَذَا الشَّهْرُ؟ فَقُلْتُ لَهَا: قَدْ مَيَّزْتُ ثَلَاثَةً مِنْ إِخْوَانِي أُنْزِلُ بِهِمْ حَاجَتِي فَقَالَتْ: مَدَنِيُّونَ أَوْ عِرَاقِيُّونَ؟ قَالَ: قُلْتُ: بَعْضٌ مَدِينِيٌّ وَبَعْضٌ عِرَاقِيٌّ , فَقَالَتِ: اعْرِضْهُمْ عَلَيَّ , فَقُلْتُ لَهَا: فُلَانٌ , فَقَالَتْ: رَجُلٌ حَسِيبٌ ذُو يَسَارٍ إِلَّا أَنَّهُ مَنَّانٌ لَا أَرَى لَكَ أَنْ تَأْتِيَهُ , فَسَمِّ الْآخَرَ , فَسَمَّيْتُ الْآخَرَ , فَقُلْتُ: فُلَانٌ , فَقَالَتْ: رَجُلٌ حَسِيبٌ ذُو مَالٍ إِلَّا أَنَّهُ بِخَيْلٌ لَا أَرَى لَكَ أَنْ تَأْتِيَهُ. قَالَ: فَقُلْتُ: فُلَانٌ , فَقَالَتْ: رَجُلٌ كَرِيمٌ حَسِيبٌ لَا شَيْءَ عِنْدَهُ وَلَا عَلَيْكَ أَنْ تَأْتِيَهُ. قَالَ: فَأَتَيْتُهُ , فَاسْتَفْتَحْتُ عَلَيْهِ الْبَابَ , فَأَذِنَ لِي عَلَيْهِ , فَدَخَلْتُ , فَرَحَّبَ , وَقَرَّبَ , وَقَالَ لِي: مَا جَاءَ بِكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ , فَأَخْبَرْتُهُ بِوُرُودِ الشَّهْرِ وَضِيقِ الْحَالِ. قَالَ: فَفَكَّرَ سَاعَةً , ثُمَّ قَالَ لِي: ارْفَعْ ثِنْيَ الْوِسَادَةِ ,

طور بواسطة نورين ميديا © 2015