الْقَوْمُ قَدْ تَوَافَوْا , فَسَلَّمْتُ , وَقَعَدْتُ , وَقُدِّمَ الْوَضُوءُ فَتَوَضَّأْنَا وَأَنَا أَقْرَبُ الْقَوْمِ إِلَيْهِ , فَأَفْطَرْنَا , وَقَرُبَتْ عِشَاءُ الْآخِرَةِ فَصُلِّيَ بِنَا , ثُمَّ أَخَذْنَا مَجَالِسَنَا , فَجَعَلَ يَحْيَى يَسْأَلُنِي وَأَنَا مُنْقَطِعٌ وَالْقَوْمُ يُجِيبُونَ بِأَشْيَاءَ هِيَ عِنْدِي عَلَى خِلَافِ مَا يُجِيبُونَ , فَلَمَّا ذَهَبَ اللَّيْلُ خَرَجَ الْقَوْمُ , وَخَرَجْتُ خَلْفَ بَعْضِهِمْ , فَإِذَا غُلَامٌ قَدْ لَحِقَنِي , فَقَالَ: إِنَّ الْوَزِيرَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَصِيرَ إِلَيْهِ قَابِلَةً قَبْلَ الْوَقْتِ الَّذِي جِئْتَ فِيهِ يَوْمَكَ هَذَا , وَنَاوَلَنِي كِيسًا مَا أَدْرِي مَا فِيهِ إِلَّا أَنَّهُ مَلَأَنِي سُرُورًا , فَخَرَجْتُ إِلَى الْغُلَامِ , فَرَكِبْتُ وَمَعِي الْحَاجِبُ حَتَّى صَيَّرَنِي إِلَى أَصْحَابِي , فَدَخَلْتُ عَلَيْهِمْ , فَقُلْتُ: اطْلُبُوا لِي سِرَاجًا , فَفَضَضْتُ الْكِيسَ , فَإِذَا دَنَانِيرُ , فَقَالَوا لِي: مَا كَانَ رَدَّهُ عَلَيْكَ؟ فَقُلْتُ: إِنَّ الْغُلَامَ أَمَرَنِي أَنْ أُوَافِيهِ قَبْلَ الْوَقْتِ الَّذِي كَانَ فِي لَيْلَتِي هَذِهِ , وَعَدَدْتُ الدَّنَانِيرَ فَإِذَا خَمْسُمِائَةِ دِينَارٍ , فَقَالَ لِي بَعْضُهُمْ: عَلَيَّ شِرَاءُ دَابَّتِكَ , وَقَالَ آخَرُ عَلَيَّ السُّرُجُ وَاللِّجَامُ وَمَا يُصْلِحُهُ , وَقَالَ آخَرُ عَلَيَّ حَمَّامُكَ وَخِضَابُ لِحْيَتِكَ وَطِيبُكَ , وَقَالَ آخَرُ عَلَيَّ شِرَاءُ كَسَوْتِكَ فَانْظُرْ فِي أَيِّ الزِّيِّ الْقَوْمُ فَعَدَدْتُ مِائَةَ دِينَارٍ , فَدَفَعْتُهَا إِلَى صَاحِبِ نَفَقَتِهِمْ فَحَلَفَ الْقَوْمُ بِأَجْمَعِهِمْ أَنَّهُمْ لَا يَرْزَءُونِي دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا , وَغَدَوْا بِالْغَدَاةِ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى مَا انْتَدَبَ لِي فِيهِ , فَمَا صَلَّيْتُ الظُّهْرَ إِلَّا وَأَنَا مِنْ أَنْبَلِ النَّاسِ , وَحَمَلْتُ بَاقِي الْكَيْسِ إِلَى الزُّبَيْرِيِّ , فَلَمَّا رَآنِي بِتِلْكَ الْحَالِ سُرَّ سُرُورًا شَدِيدًا , ثُمَّ أَخْبَرْتُهُ الْخَبَرَ , فَقَالَ لِي: إِنِّي شَاخِصٌ إِلَى الْمَدِينَةِ , فَقُلْتُ: نَعَمْ , إِنِّي قَدْ خَلَّفْتُ الْعِيَالَ عَلَى مَا قَدْ عَلِمْتَ , فَدَفَعْتُ إِلَيْهِ مِائَتَيْ دِينَارٍ يُوَصِّلُهَا إِلَى الْعِيَالِ , ثُمَّ خَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهِ , فَأَتَيْتُ أَصْحَابِي بِجَمِيعِ مَا كَانَ مَعِي مِنَ الْكِيسِ , ثُمَّ صَلَّيْتُ الْعَصْرَ , فَتَهَيَّأْتُ بِأَحْسَنَ هَيْئَةٍ , ثُمَّ حَضَرْتُ إِلَى بَابِ يَحْيَى بْنِ خَالِدٍ , فَلَمَّا رَآنِي الْحَاجِبُ قَامَ فَأَذِنَ لِي , فَدَخَلْتُ عَلَى يَحْيَى , فَلَمَّا رَآنِي فِي تِلْكَ الْحَالِ نَظَرْتُ إِلَى السُّرُورِ فِي وَجْهِهِ , فَجَلَسْتُ فِي مَجْلِسِي , ثُمَّ ابْتَدَأْتُ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي كَانَ يُذَاكِرُنِي بِهِ وَالْجَوَابِ فِيهِ , وَكَانَ الْجَوَابُ عَلَى غَيْرِ مَا كَانَ يُجِيبُ بِهِ الْقَوْمُ , فَنَظَرْتُ إِلَى الْقَوْمِ وَتَقْطِيبِهِمْ لِي , وَأَقْبَلَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015