مَا قَدْ عَلِمْتَ , وَلَكِنِ الرَّأْيَ أَنْ تَصِيرَ مَعِي فَأَنَا الذَّاكِرُ لِيَحْيَى أَمْرَكَ , فَرَكِبْتُ مَعَ الْقَوْمِ حَتَّى صِرْتُ إِلَى الرَّقَّةِ , فَلَمَّا عَبَرْنَا الْجَوَازَ قَالَ لِي: تَصِيرُ مَعِي؟ فَقُلْتُ: لَا أَصِيرُ إِلَى أَصْحَابِي وَأَنَا مُبَكِّرٌ عَلَيْكَ غَدًا لِنَصِيرَ جَمِيعًا إِلَى بَابِ يَحْيَى بْنِ خَالِدٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ , فَدَخَلْتُ عَلَى أَصْحَابِي , فَكَأَنِّي وَقَعَتْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ , ثُمَّ قَالُوا لِي: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ , مَا كَانَ خَبَرُكَ؟ فَقَدْ كُنَّا فِي غَمٍّ مِنْ أَمْرِكَ , فَخَبَّرْتُهُمْ بِخَبَرِي , فَأَشَارَ عَلَيَّ الْقَوْمُ بِلُزُومِ الزُّبَيْرِيِّ , وَقَالُوا: هَذَا طَعَامُكَ وَشَرَابُكَ لَا تَهْتَمَّ لَهُ , فَغَدَوْتُ بِالْغَدَاةِ إِلَى بَابِ الزُّبَيْرِيِّ , فَخُبِّرْتُ بِأَنَّهُ قَدْ رَكِبَ إِلَى بَابِ يَحْيَى بْنِ خَالِدٍ , فَأَتَيْتُ بَابَ يَحْيَى بْنِ خَالِدٍ , فَقَعَدْتُ مَلِيًّا , فَإِذَا صَاحِبِي قَدْ خَرَجَ فَقَالَ لِي: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ , أُنْسِيتُ أَنْ أُذَاكِرَهُ أَمْرَكَ , وَلَكِنْ قِفْ بِالْبَابِ حَتَّى أَعُودَ إِلَيْهِ , فَدَخَلَ , ثُمَّ خَرَجَ إِلَيَّ الْحَاجِبُ , فَقَالَ لِي: ادْخُلْ , فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فِي حَالَةٍ خَسِيسَةٍ , وَذَلِكَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ , وَقَدْ بَقِيَ مِنَ الشَّهْرِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ أَوْ أَرْبَعَةٌ , فَلَمَّا رَآنِي يَحْيَى بْنُ خَالِدٍ فِي تِلْكَ الْحَالِ رَأَيْتُ أَثَرَ الْغَمِّ فِي وَجْهِهِ , وَسَلَّمَ عَلَيَّ , وَقَرَّبَ مَجْلِسِي وَعِنْدَهُ قَوْمٌ يُحَادِثُونَهُ , فَجَعَلَ يُذَاكِرُنِي الْحَدِيثَ بَعْدَ الْحَدِيثِ , فَانْقَطَعْتُ عَنْ إِجَابَتِهِ , وَجَعَلْتُ أَجِيءُ بِالشَّيْءِ لَيْسَ بِالْمُوَافِقِ لِمَا يَسْأَلُ , وَجَعَلَ الْقَوْمُ يُجِيبُونَ بِأَحْسَنِ الْجَوَابِ , وَأَنَا سَاكِتٌ , فَلَمَّا انْقَضَى الْمَجْلِسُ , وَخَرَجَ الْقَوْمُ خَرَجْتُ , فَإِذَا خَادِمٌ لِيَحْيَى بْنِ خَالِدٍ قَدْ خَرَجَ , فَلَقِيَنِي عِنْدَ السِّتْرِ , فَقَالَ لِي: إِنَّ الْوَزِيرَ يَأْمُرُكَ أَنْ تُفْطِرَ عِنْدَهُ الْعَشِيَّةَ , فَلَمَّا صِرْتُ إِلَى أَصْحَابِي خَبَّرْتُهُمْ بِالْقَضِيَّةِ , وَقُلْتُ: أَخَافُ أَنْ يَكُونَ غَلَطٌ بِي , فَقَالَ لِي بَعْضُهُمْ: هَذِهِ رَغِيفَانِ وَقِطْعَةُ جُبْنٍ وَهَذِهِ دَابَّتِي تُرْكَبُ وَالْغُلَامُ خَلْفَكَ , فَإِنْ أَذِنَ لَكَ الْحَاجِبُ بِالدُّخُولِ دَخَلْتَ وَدَفَعْتَ مَا مَعَكَ إِلَى الْغُلَامِ , وَإِنْ تَكُنِ الْأُخْرَى صِرْتَ إِلَى بَعْضِ الْمَسَاجِدِ , فَأَكَلْتَ مَا مَعَكَ وَشَرِبْتَ مِنْ مَاءِ الْمَسْجِدِ , فَانْصَرَفْتُ فَوَصَلْتُ إِلَى بَابِ يَحْيَى بْنِ خَالِدٍ وَقَدْ صَلَّى النَّاسُ الْمَغْرِبَ , فَلَمَّا رَآنِي الْحَاجِبُ قَالَ: يَا شَيْخُ , أَبْطَأْتَ , وَقَدْ خَرَجَ الرَّسُولُ فِي طَلَبِكَ غَيْرَ مَرَّةٍ , فَدَفَعْتُ مَا كَانَ مَعِي إِلَى الْغُلَامِ وَأَمَرْتُهُ بِالْمُقَامِ , فَدَخَلْتُ فَإِذَا