غير أن ابن سعد نفسه وصفه بأنه " كان كثير الحديث ضعيفاً ".
ويتبين لنا من هذا الغرض أن في رواة ابن سعد ثلاثة على الأقل بضعفهم أهل الحديث، وهم: هشام بن محمد بن السائب الكلبي (وإن كان عندهم أوثق من أبيه) ولكنه يروي عن أبيه، وكان ابن سعد يعرف أن المحدثين يضعفونه. ثم الواقدي نفسه فقد اتهموه بأنه أغرب على الرسول بعشرين ألف حديث وأنه كان يروي المناكير. والثالث أبو معشر هذا المذكور. غير أنهم جميعاً يوثقون في السيرة والمغازي. وهذا الانفصال بين الحديث من ناحية والسير والأخبار والمغازي من ناحية أخرى أمر يستحق النظر. ولعل التحري الدقيق يثبت أن المحدثين الذين جرحوا هؤلاء المؤرخين كانوا ينظرون من زاوية خاصة، لعلها ضيقة محدودة، آية ذلك أن الواقدي نفسه وهو ما يهمنا هنا - لأن أكثر علم ابن سعد مأخوذ عنه - كان موثقاً عند فريق كبير من المحدثين فكان ابن سلام الجمحي يقول: " محمد بن عمر الواقدي عالم دهره " وكان الإمام مالك يسأله إذا أشكل عليه أمر، وقال فيه الدراوردي " ذلك أمير المؤمنين في الحديث " وقال مصعب الزبيري " والله ما رأينا مثله قط "، إلى غير ذلك من شهادات الأئمة الأعلام فيه. وقد كان الواقدي ذا إحساس عميق بمهمة المؤرخ وواجبه وحدوده. وحسبنا شاهداً على ذلك أنه عند تأريخه المغازي لم يترك موضعاً حدثت فيه غزاة إلا كان يذهب لمعاينته، وقد شهد بعضهم أنه رآه وهو ذاهب إلى حنين ليرى موضع الوقعة. وأكبر ما عابه عليه المحدثون شيء اتبعه ابن سعد تلميذه أيضاً وهو جمع أسانيد كثيرة وإيراد متن واحد لها، وإدخال حديث الرجال بعضهم في بعض، مبتغياً بذلك الإيجاز إذا كثرت الروايات وتشابهت.
على أن اعتماد مغازي موسى بن عقبة وابن إسحاق وأبي معشر ورواة الواقدي من المدنين حقيقة هامة يمكن أن نرى فيها ما يسمى " مدرسة المدينة " في السيرة، وهذه المدرسة التي انتقل مركز الثقل فيها من المدينة إلى