مِنَ الْغَدِ يُؤْتَى بِهَا فِي الْمَسْجِدِ يَصُومُ الدَّهْرُ , وَمَا رُئِيَ رَافِعًا رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ إِخْبَاتا , فَلَمَّا دَنَا أَهْلُ الشَّامِ مِنْ وَادِي الْقُرَى صَلَّى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَنْظَلَةَ بِالنَّاسِ الظُّهْرَ , ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ , فَحَمِدَ اللَّهَ , وَأَثْنَى عَلَيْهِ , ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ , إِنَّمَا خَرَجْتُمْ غَضَبًا لِدِينِكُمْ , فَأَبْلُوا لِلَّهِ بَلَاءً حَسَنًا لِيوجِبْ لَكُمْ بِهِ مَغْفِرَتَهُ وَيُحِلَّ بِهِ عَلَيْكُمْ رِضْوَانَهُ. قَدْ خَبَّرَنِي مَنْ نَزَلَ مَعَ الْقَوْمِ السُّوَيْدَاءَ , وَقَدْ نَزَلَ الْقَوْمُ الْيَوْمَ ذَا خَشَبٍ وَمَعَهُمْ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ , وَاللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مُحَيِّنُهُ بِنَقْضِهِ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ عِنْدَ مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم , فَتَصَايَحَ النَّاسُ , وَجَعَلُوا يَنَالُونَ مِنْ مَرْوَانَ , وَيَقُولُونَ: الْوَزَغُ بْنُ الْوَزَغُ , وَجَعَلَ ابْنُ حَنْظَلَةَ يُهَدِّئَهُمْ , وَيَقُولُ: إِنَّ الشَّتْمَ لَيْسَ بِشَيْءٍ , وَلَكِنِ اصْدِقُوهُمُ اللِّقَاءَ , وَاللَّهِ مَا صَدَقَ قَوْمٌ قَطُّ إِلَّا حَازُوا النَّصْرَ بِقُدْرَةِ اللَّهِ , ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ , وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ , وَقَالَ: اللَّهُمَّ , إِنَّا بِكَ وَاثِقُونَ , وَبِكَ آمَنَّا , وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا , وَإِلَيْكَ أَلْجَأْنَا ظُهُورَنَا , ثُمَّ نَزَلَ وَصَبَّحَ الْقَوْمُ الْمَدِينَةَ , فَقَاتَلَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ قِتَالًا شَدِيدًا حَتَّى كَثَرَهُمْ أَهْلُ الشَّامِ , وَدَخَلَتِ الْمَدِينَةُ مِنَ النَّوَاحِي كُلِّهَا , فَلَبِسَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَنْظَلَةَ يَوْمَئِذٍ دِرْعَيْنِ , وَجَعَلَ يَحُضُّ أَصْحَابَهُ عَلَى الْقِتَالِ , فَجَعَلُوا يُقَاتِلُونَ , وَقُتِلَ النَّاسُ , فَمَا تُرَى إِلَّا رَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ مُمْسِكًا بِهَا مَعَ عِصَابَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ , وَحَانَتِ الظُّهْرُ , فَقَالَ لِمَوْلًى لَهُ: احْمِ لِي ظَهْرِي حَتَّى أُصَلِّي , فَصَلَّى الظُّهْرَ أَرْبَعًا مُتَمَكِّنًا , فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ قَالَ لَهُ مَوْلَاهُ: وَاللَّهِ , يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا بَقِيَ أَحَدٌ , فَعَلَامَ نُقِيمُ وَلِوَاؤُهُ قَائِمٌ مَا حَوْلَهُ خَمْسَةٌ؟ فَقَالَ: وَيْحَكَ إِنَّمَا خَرَجْنَا عَلَى أَنْ نَمُوتَ , ثُمَّ انْصَرَفَ مِنَ الصَّلَاةِ وَبِهِ جِرَاحَاتٌ كَثِيرَةٌ , فَتَقَلَّدَ السَّيْفَ وَنَزَعَ الدِّرْعَ , وَلَبِسَ سَاعِدَيْنِ مِنْ دِيبَاجٍ , ثُمَّ حَثَّ النَّاسَ عَلَى الْقِتَالِ وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ كَالْأَنْعَامِ الشُّرَّدِ , وَأَهْلُ الشَّامِ يَقْتُلُونَهُمْ فِي كُلِّ وَجْهٍ , فَلَمَّا هُزِمَ النَّاسُ , طَرَحَ الدِّرْعَ وَمَا عَلَيْهِ مِنْ سِلَاحٍ , وَجَعَلَ يُقَاتِلُهُمْ وَهُوَ حَاسِرٌ حَتَّى قَتَلُوهُ. ضَرَبَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ ضَرْبَةً بِالسَّيْفِ فَقَطَعَ مَنْكِبَيْهِ حَتَّى بَدَا سَحْرُهُ وَوَقَعَ مَيِّتًا , فَجَعَلَ مُسْرِفٌ يَطُوفُ عَلَى فَرَسٍ لَهُ فِي الْقَتْلَى وَمَعَهُ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015