ولم يقتصر ثقافة ابن سعد على الحديث والأخبار والسير بل إنه كتب الغريب والفقه، وربما دلت صلته بالنحويين واللغويين مثل أبي زيد الأنصاري (?) على استكماله للنواحي اللغوية والنحوية، على نحو واسع. أما صلته بمحمد ابن سعدان الضرير وهو من مشهوري القراء فتدل على اهتمامه بالقراءات. وقد صرح ابن الجزري بأن ابن سعد روى الحروف عن محمد بن عمر الواقدي ثم رواها عنه الحارث بن أبي أسامة. وكان توفره على كتابة تراجم الرجال سبباً في اطلاعه الواسع على علم الأنساب، ويبدو من الطبقات أنه أحكم هذا الفرع إحكاماً جيداً بحيث تمكن فيه من المناقشة والترجيح، وعمدته في ذلك رواية أستاذه الواقدي، ورواية ابن إسحاق، ورواية ابن عمارة الأنصاري في نسب الأنصار، ورواية هشام بن محمد بن السائب الكلبي، وعن هذا الأخير روى ابن سعد كتابه " جمهرة الأنساب " (?) .
و" الطبقات " معرض لنواح كثيرة من ثقافته، وهو عمل ضخم أراده أن يكون في خمسة عشر مجلداً، ليخدم به السنة أو علم الحديث، فتحدث فيه عن الرسول والصحابة والتابعين إلى عصرهن مقتفياً خطى أستاذه الواقدي الذي ألف أيضاً كتاب " الطبقات "، ويبدو أن عمل ابن سعد شمل رواية الواقدي نفسه في السيرة والتراجم مضافاً إليها روايات أخذها عن غير الواقدي في السيرة والتراجم أيضاً، فإذا كتابه صورة أكمل وأوسع لأنه يمثل نشاط المحدثين والإخباريين والنسابين في عصره وفيما قبله. غير أن الواقدي يغلب على من عداه في توجيه كثير من المادة، وإن كنا نجد فصولاً استجدها ابن سعد، فلم يرد فيها ذكر للواقدي إطلاقاً (مثل " ذكر كنية رسول الله، صلى الله عليه وسلم " 1/ 1: 66؛ ومثل " ذكر ما كان