لِي مِنْ هَذَا إِلَّا مَا حَلَّ لِي مِنَ الْأَوَّلَيْنِ» قَالَتْ: فَتَرَكَهُ، فَبَيْنَمَا هُوَ يَسِيرُ عَلَى مُسَنَّاةٍ ضَيِّقَةٍ عَنْ يَمِينِهِ، وَعَنْ شِمَالِهِ السَّمَاءُ إِذْ سَمِعَ خَوَايَةً احْتَفَزَتْ لَهَا دَابَّتُهُ، فَالْتَفَتَ، فَإِذَا هُوَ بِسَبٍّ مَلْفُوفٍ لَا يَدْرِي عَلَى مَا هُوَ، فَنَزَلَ قَالَتْ: فَأُقَدِّرُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ لَأَبْصَرَهُ مِنْ ضِيقِ مَسِيرِهِ قَالَتْ: فَنَزَلَ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَصْرِفَ دَابَّتَهُ مِنْ ضِيقِ مَسِيرِهِ، حَتَّى أَخَذَ بِرَأْسِهَا، فَتَنَاوَلَهُ عِنْدَ رِجْلِ الدَّابَّةِ قَالَتْ: فَإِذَا قِطْعَةٌ مِنْ سِبٍّ مَلْفُوفٍ عَلَى دَوْخَلَةٍ فِيهَا رُطَبٌ، فَأَكَلَ مِنْهَا حَتَّى شَبِعَ، ثُمَّ انْطَلَقَ حَتَّى نَزَلَ عَلَى رَاهِبٍ، فَأَتَاهُ الرَّاهِبُ بِقِرَاهُ، فَأَبَى أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ، فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، مَا لَكَ لَا تَأْكُلُ مِنْ قِرَايَ، وَلَا أَرَى مَعَكَ ثَقَلًا وَلَا طَعَامًا؟ قَالَ: «بَلَى، إِنِّي قَدْ أَصَبْتُ كَذَا وَكَذَا» قَالَ: هَلْ بَقِيَ مَعَكَ شَيْءٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ» قَالَ: فَأَطْعِمْنِي مِنْهُ فَأَعْطَاهُ الدَّوْخَلَةَ، فَقَالَ لَهُ الرَّاهِبُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، إِنَّكَ قَدْ أُطْعِمْتَ، أَلَا تَرَى النَّخْلَ سَلْبًا لَيْسَ عَلَيْهَا شَيْءٌ، وَإِنَّ هَذَا لَيْسَ بِزَمَانٍ الرُّطَبِ؟ قَالَتْ: فَأَتَانَا بِتِلْكَ الْقِطْعَةِ السِّبِّ، فَكَانَ عِنْدَنَا زَمَانًا، فَمَا أَدْرِي كَيْفَ ذَهَبَ قَالَ إِسْحَاقُ: وَالسِّبُّ مِنَ السَّبِيبَةِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو: قَالَ الشَّاعِرُ:

[البحر الوافر]

أَلَا يَا أُمَّ الْأَسْوَدِ إِنَّ رَأْسِي ... تَغَشَّى لَوْنَهُ سِبٌّ جَدِيدُ

فَلَوْ أَنَّ الشَّبَابَ يُبَاعُ بَيْعًا ... لَأَعْطَيْتُ الْمُبَايِعَ مَا يُرِيدُ

وَلَكِنَّ الشَّبَابَ إِذَا تَوَلَّى عَلَى ... شَرَفٍ فَمَطْلَبُهُ بَعِيدُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015