مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ. فَلَمَّا حُمِلَ فَكَأَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَمْ تُصِبْهُمْ مُصِيبَةٌ إِلا يَوْمَئِذٍ. قَالَ فَأَذِنَتْ لَهُ فَدُفِنَ. رَحِمَهُ اللَّهُ. حَيْثُ أَكْرَمَهُ اللَّهُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ. وَقَالُوا لَهُ حِينَ حَضَرَهُ الْمَوْتُ: اسْتَخْلِفْ. فَقَالَ: لا أَجِدُ أَحَدًا أَحَقَّ بِهَذَا الأَمْرِ مِنْ هَؤُلاءِ النَّفَرِ الَّذِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ عَنْهُمْ رَاضٍ فَأَيُّهُمُ اسْتُخْلِفَ فَهُوَ الْخَلِيفَةُ مِنْ بَعْدِي.
فَسَمَّى عَلِيًّا وَعُثْمَانَ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ وَسَعْدًا. فَإِنْ أصابت سعدا فذاك وَإِلا فَأَيُّهُمُ اسْتُخْلِفَ فَلْيَسْتَعَنْ بِهِ. فَإِنِّي لَمْ أَعْزِلْهُ عَنْ عَجْزٍ وَلا خِيَانَةٍ. قَالَ وَجَعَلَ عَبْدُ اللَّهِ مَعَهُمْ يُشَاوِرُونَهُ وَلَيْسَ لَهُ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ. قَالَ فَلَمَّا اجْتَمَعُوا قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: اجْعَلُوا أَمْرَكُمْ إِلَى ثَلاثَةِ نَفَرٍ مِنْكُمْ. فَجَعَلَ الزُّبَيْرُ أَمْرَهُ إِلَى عَلِيٍّ. وَجَعَلَ طَلْحَةُ أَمْرَهُ إِلَى عُثْمَانَ. وَجَعَلَ سَعْدٌ أَمْرَهُ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ. فَأْتَمَرَ أُولَئِكَ الثَّلاثَةُ حِينَ جُعِلَ الأَمْرُ إِلَيْهِمْ. فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: أَيُّكُمْ يَبْرَأُ من الأَمْرَ إِلَيَّ وَلَكُمُ اللَّهُ عَلَيَّ أَلا آلُوكُمْ عَنْ أَفْضَلِكُمْ وَخَيْرِكُمْ لِلْمُسْلِمِينَ. فَأَسْكَتَ الشَّيْخَانِ عَلِيٌّ وَعُثْمَانُ. فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ:
تَجْعَلانِهِ إِلَيَّ وَأَنَا أخرج منها فو الله لا آلُوكُمْ عَنْ أَفْضَلِكُمْ وَخَيْرِكُمْ لِلْمُسْلِمِينَ. قَالُوا:
نَعَمْ. فَخَلا بِعَلِيٍّ فَقَالَ: إِنَّ لَكَ مِنَ الْقَرَابَةِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْقِدَمِ وَاللَّهِ عَلَيْكَ لَئِنِ اسْتُخْلِفْتَ لَتَعْدِلَنَّ وَلَئِنِ اسْتُخْلِفَ عُثْمَانُ لَتَسْمَعَنَّ وَلَتُطِيعَنَّ. فَقَالَ: نَعَمْ. قَالَ وَخَلا بِعُثْمَانَ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ. قَالَ فَقَالَ عُثْمَانُ فَنَعَمْ. قَالَ فَقَالَ ابْسُطْ يَدَكَ يَا عُثْمَانُ. فَبَسَطَ يَدَهُ فَبَايَعَهُ عَلِيٌّ وَالنَّاسُ.
ثُمَّ قَالَ عُمَرُ: أُوصِي الْخَلِيفَةَ مِنْ بَعْدِي بِتَقْوَى اللَّهِ وَالْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ أَنْ يَحْفَظَ لَهُمْ حَقَّهُمْ وَأَنْ يَعْرِفَ لَهُمْ حُرْمَتَهُمْ. وَأُوصِيهِ بِأَهْلِ الأَمْصَارِ خَيْرًا فَإِنَّهُمْ رِدْءُ الإِسْلامِ وَغَيْظُ الْعَدُوِّ وَجُبَاةُ الْمَالِ أَنْ لا يُؤْخَذَ مِنْهُمْ إِلا يَقْبَلَ مِنْ مُحْسِنِهِمْ وَيَتَجَاوَزَ عَنْ مُسِيئِهِمْ.
وَأُوصِيهِ بِالأَعْرَابِ خَيْرًا فَإِنَّهُمْ أَصْلُ الْعَرَبِ وَمَادَّةُ الإِسْلامِ وَأَنْ يُؤْخَذَ مِنْ حَوَاشِي أَمْوَالِهِمْ فَيُرَدَّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ. وَأُوصِيهِ بِذِمَّةِ اللَّهِ وَذِمَّةِ رَسُولِهِ أَنْ يُوفِيَ لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ وَأَنْ لا يُكَلَّفُوا إِلا طَاقَتَهُمْ وَأَنْ يُقَاتِلَ مَنْ وَرَاءَهُمْ.
قَالَ: أَخْبَرَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو الأَزْدِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ مُوسَى الأَشْيَبُ وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ قَالُوا: أَخْبَرَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ أَبُو خَيْثَمَةَ. أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ: شَهِدْتُ عُمَرَ حِينَ طُعِنَ قَالَ: أَتَاهُ أَبُو لُؤْلُؤَةَ وَهُوَ يُسَوِّي الصُّفُوفَ فَطَعَنَهُ وَطَعَنَ اثْنَيْ عَشَرَ مَعَهُ هُوَ ثَالِثُ عَشَرَ. قَالَ: فَأَنَا رَأَيْتُ عُمَرَ بَاسِطًا يَدَهُ وَهُوَ يَقُولُ:
أدركوا الكلب قد قَتَلَنِي. قَالَ فَمَاجَ النَّاسُ وَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ وَرَائِهِ فَأَخَذَهُ. قَالَ فَمَاتَ مِنْهُمْ