وَاللَّهِ لَئِنْ سَلَّمَنِي اللَّهُ لأَدَعَنَّ أَرَامِلَ أَهْلِ الْعِرَاقِ لا يَحْتَجْنَ إِلَى أَحَدٍ بَعْدِي أَبَدًا. قَالَ فَمَا أَتَتْ عَلَيْهِ إِلا رَابِعَةٌ حَتَّى أُصِيبَ. وَكَانَ إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَامَ بَيْنَ الصُّفُوفِ ثُمَّ قَالَ: اسْتَوُوا. فَإِذَا اسْتَوَوْا تَقَدَّمَ فَكَبَّرَ. فَلَمَّا كَبَّرَ طُعِنَ. قَالَ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: قَتَلَنِي الْكَلْبُ. أَوْ أَكَلَنِي الْكَلْبُ. مَا أَدْرِي أَيُّهُمَا قَالَ. وَطَارَ الْعِلْجُ فِي يَدِهِ سِكِّينٌ ذَاتُ طَرَفَيْنِ مَا يَمُرُّ بِرَجُلٍ يَمِينًا وَلا شِمَالا إِلا طَعَنَهُ. فَأَصَابَ ثَلاثَةَ عَشَرَ رَجُلا مِنَ الْمُسْلِمِينَ. فَمَاتَ مِنْهُمْ تِسْعَةٌ. قَالَ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ رَجُلُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ طَرَحَ عَلَيْهِ بُرْنُسًا لَهُ لِيَأْخُذَهُ فَلَمَّا ظَنَّ أَنَّهُ مَأْخُوذٌ نَحَرَ نَفْسَهُ. قَالَ وَمَا كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ. يَعْنِي عُمَرَ. حِينَ طُعِنَ إِلا ابْنُ عَبَّاسٍ. فَأَخَذَ بِيَدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فَقَدَّمَهُ فَصَلَّوُا الْفَجْرَ يَوْمَئِذٍ صَلاةً خَفِيفَةً. قَالَ فَأَمَّا نَوَاحِي الْمَسْجِدِ فَلا يَدْرُونَ مَا الأَمْرُ إِلا أنهم انْصَرَفُوا كَانَ أَوَّلُ مَنْ دَخَلَ عَلَى عُمَرَ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ: انْظُرْ مَنْ قَتَلَنِي. فَخَرَجَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَجَالَ سَاعَةً ثُمَّ أَتَاهُ فَقَالَ: غُلامُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ الصَّنَّاعُ. قَالَ وَكَانَ نَجَّارًا. قَالَ: مَا لَهُ قَاتَلَهُ اللَّهُ؟ وَاللَّهِ لَقَدْ كُنْتُ أَمَرْتُ بِهِ مَعْرُوفًا. ثُمَّ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَجْعَلْ مَنِيَّتِي بِيَدِ رَجُلٍ يَدَّعِي إِلَى الإِسْلامِ. ثُمَّ قَالَ لابْنِ عَبَّاسٍ: لَقَدْ كُنْتُ أَنْتَ وَأَبُوكَ تُحِبَّانِ أَنْ تَكْثُرَ الْعُلُوجُ بِالْمَدِينَةِ.

فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنْ شِئْتَ فَعَلْنَا. فَقَالَ: أَبَعْدَ مَا تَكَلَّمُوا بِكَلامِكُمْ وَصَلَّوْا بِصَلاتِكُمْ وَنَسَكُوا نُسُكَكُمْ؟ فَقَالَ لَهُ النَّاسُ: لَيْسَ عَلَيْكَ بَأْسٌ. فَدَعَا بِنَبِيذٍ فَشَرِبَهُ فَخَرَجَ مِنْ جُرْحِهِ. ثُمَّ دَعَا بِلَبَنٍ فَشَرِبَهُ فَخَرَجَ مِنْ جُرْحِهِ. فَلَمَّا ظَنَّ أَنَّهُ الْمَوْتُ قَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ انْظُرْ كَمْ عَلَيَّ مِنَ الدَّيْنِ. قَالَ فَحَسَبَهُ فَوَجَدَهُ سِتَّةً وَثَمَانِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ. قَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ إِنْ وَفَى لَهَا مَالُ آلِ عُمَرَ فَأَدِّهَا عَنِّي مِنْ أَمْوَالِهِمْ. وَإِنْ لَمْ تَفِ أَمْوَالُهُمْ فَاسْأَلْ فِيهَا بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ. فَإِنْ لَمْ تَفِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَاسْأَلْ فِيهَا قُرَيْشًا وَلا تَعْدُهُمْ إِلَى غَيْرِهِمْ. ثُمَّ قَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ اذْهَبْ إِلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَقُلْ لَهَا يَقْرَأُ عَلَيْكِ عُمَرُ السَّلامَ. وَلا تَقُلْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. فَإِنِّي لَسْتُ لَهُمُ الْيَوْمَ بِأَمِيرٍ. يَقُولُ تَأْذَنِينَ لَهُ أَنْ يُدْفَنَ مَعَ صَاحِبَيْهِ؟ فَأَتَاهَا ابْنُ عُمَرَ فَوَجَدَهَا قَاعِدَةً تَبْكِي فَسَلَّمَ عَلَيْهَا ثُمَّ قَالَ: يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ يُدْفَنَ مَعَ صَاحِبَيْهِ. فَقَالَتْ: قَدْ وَاللَّهِ كُنْتُ أُرِيدُهُ لِنَفْسِي وَلأُوثِرَنَّهُ بِهِ الْيَوْمَ عَلَى نَفْسِي. فَلَمَّا جَاءَ قِيلَ هَذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَقَالَ عُمَرُ: ارْفَعَانِي. فَأَسْنَدَهُ رَجُلٌ إِلَيْهِ فَقَالَ: مَا لَدَيْكَ؟ فَقَالَ: أَذِنَتْ لَكَ. قَالَ عُمَرُ: مَا كَانَ شَيْءٌ أَهَمُّ إِلَيَّ مِنْ ذَلِكَ الْمَضْجَعِ. يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ انْظُرْ إِذَا أَنَا مُتُّ فَاحْمِلْنِي عَلَى سَرِيرِي ثُمَّ قِفْ بِي عَلَى الْبَابِ فَقُلْ يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ. فَإِنْ أَذِنَتْ لِي فَأَدْخِلْنِي. وَإِنْ لَمْ تَأْذَنْ فَادْفِنِّي فِي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015