عَبْدُ الأَعْلَى: أَدْخِلُوهُ. فَدَخَلَ عَلَيْهِ مُقَطَّعَاتٌ لَهُ فَإِذَا رَجُلٌ طُوَالٌ ضَرْبٌ مِنَ الرِّجَالِ كَأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ. فَلَمَّا أَنْ قَعَدَ قَالَ: بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُلْتُ: بِيَمِينِكَ؟ قَالَ:

نَعَمْ. وَخَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْعَقَبَةِ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلا إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ إِلَى أَنْ تَلْقَوْا رَبَّكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا. أَلا هَلْ بَلَّغْتُ؟ فَقُلْنَا: نَعَمْ. فَقَالَ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ. ثُمَّ قَالَ: أَلا لا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ. قَالَ ثُمَّ أَتْبَعَ ذَا فَقَالَ: إِنَّا كُنَّا نَعُدُّ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ فِينَا حَنَانًا. فَبَيْنَا أَنَا فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ إِذْ هُوَ يَقُولُ: أَلا إِنَّ نَعْثَلا هَذَا لِعُثْمَانُ.

فَأَلْتَفِتُ فَلَوْ أَجِدُ عَلَيْهِ أَعْوَانًا لَوَطِئْتُهُ حَتَّى أَقْتُلَهُ. قَالَ قُلْتُ اللَّهُمَّ إِنَّكَ إِنْ تَشَأْ تُمْكِنِّي مِنْ عَمَّارٍ.

فَلَمَّا كَانَ يَوْمَ صِفِّينَ أَقْبَلَ يَسْتَنُّ أَوَّلَ الْكَتِيبَةِ رَجُلا حَتَّى إِذَا كَانَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ فَأَبْصَرَ رَجُلٌ عَوْرَةً فَطَعَنَهُ فِي رُكْبَتِهِ بِالرُّمْحِ فَعَثَرَ فَانْكَشَفَ الْمِغْفَرُ عَنْهُ. فَضَرَبْتُهُ فَإِذَا رَأْسُ عَمَّارٍ.

قَالَ: فَلَمْ أَرَ رَجُلا أَبْيَنَ ضَلالَةً عِنْدِي مِنْهُ. إِنَّهُ سَمِعَ مِنَ النَّبِيِّ. ع. مَا سَمِعَ ثُمَّ قَتَلَ عَمَّارًا. قَالَ وَاسْتَسْقَى أَبُو غَادِيَةَ فَأُتِيَ بِمَاءٍ فِي زُجَاجٍ فَأَبَى أَنْ يَشْرَبَ فِيهَا. فَأُتِيَ بِمَاءٍ فِي قَدَحٍ فَشَرِبَ. فَقَالَ رَجُلٌ عَلَى رَأْسِ الأَمِيرِ قَائِمٌ بِالنَّبَطِيَّةِ: أَوَى يَدٍ كَفَتَا يَتَوَرَّعُ عَنِ الشَّرَابِ فِي زُجَاجٍ وَلَمْ يَتَوَرَّعْ عَنْ قَتْلِ عَمَّارٍ.

قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَفْصٍ وَكُلْثُومُ بْنُ جَبْرٍ عَنْ أَبِي غَادِيَةَ قَالَ: سَمِعْتُ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ يَقَعُ فِي عُثْمَانَ يَشْتِمُهُ بِالْمَدِينَةِ قَالَ: فَتَوَعَّدْتُهُ بِالْقَتْلِ قُلْتُ: لَئِنْ أَمْكَنَنِي اللَّهُ مِنْكَ لأَفْعَلَنَّ. فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ صِفِّينَ جَعَلَ عَمَّارٌ يَحْمِلُ عَلَى النَّاسِ. فَقِيلَ هَذَا عَمَّارٌ. فَرَأَيْتُ فُرْجَةً بَيْنَ الرِّئَتَيْنِ وَبَيْنَ السَّاقَيْنِ. قَالَ فَحَمَلْتُ عَلَيْهِ فَطَعَنْتُهُ فِي رُكْبَتِهِ. قَالَ: فَوَقَعَ فَقَتَلْتُهُ. فَقِيلَ قَتَلْتَ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ. وَأُخْبِرَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فَقَالَ: [سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم - يقول إِنَّ قَاتِلَهُ وَسَالِبَهُ فِي النَّارِ] . فَقِيلَ لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: هُوَ ذَا أَنْتَ تُقَاتِلُهُ. فَقَالَ: إِنَّمَا قَالَ قَاتِلَهُ وَسَالِبَهُ.

قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ وَغَيْرُهُ قَالُوا: لَمَّا اسْتَلْحَمَ الْقِتَالُ بِصِفِّينَ وَكَادُوا يَتَفَانَوْنَ قَالَ مُعَاوِيَةُ: هَذَا يَوْمٌ تَفَانَى فِيهِ الْعَرَبُ إِلا أَنْ تُدْرِكَهُمُ فِيهِ خِفَّةُ الْعَبْدِ. يَعْنِي عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ. قَالَ وَكَانَ الْقِتَالُ الشَّدِيدُ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ. آخِرُهُنَّ لَيْلَةَ الْهَرِيرِ. فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ قَالَ عَمَّارٌ لِهَاشِمِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَمَعَهُ اللِّوَاءَ يَوْمَئِذٍ: احْمِلْ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي! فَقَالَ هَاشِمٌ: يَا عَمَّارُ رَحِمَكَ اللَّهُ إِنَّكَ رَجُلٌ تَسْتَخِفُّكَ الْحَرْبُ وَإِنِّي إِنَّمَا أَزْحَفُ بِاللِّوَاءِ زَحْفًا رَجَاءَ أَنْ أَبْلُغَ بِذَلِكَ مَا أُرِيدُ. وَإِنِّي إِنْ خَفَفْتُ لَمْ آمَنِ الْهَلَكَةَ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015