فسرى عنه، وقال: جزاكم الله خيراً، احفظوا عني وصيتي: لا تكلموا فيها ولا تسألوا عنها أبداً، انتهوا إلى أنه كلام الله عز وجل، بلا زيادة حرف واحد، ما أحسب هذه المسألة تنتهي حتى توقع أهل الإسلام في أمر لا يقومون له ولا يقعدون، أعاذنا الله وإياكم من الشيطان الرجيم.
*وسئل حفص بن مسلم عن القرآن، فقال: القرآن كلام الله، غير مخلوق، ومن قال غير هذا فهو كافر.
فقال ابنه سالم: هل يخبر عن أبي حنيفة في هذا بشيء؟ فقال: نعم، كان أبو حنيفة على هذا، وما علمت منه غيره، ولو علمت منه غيره لم أصحبه.
قال: وكان أبو حنيفة إمام الدنيا في زمانه، فِقهاً وعلماً وورعاً، وكان محنة، يعرف به أهل البدع من الجماعة، ولقد ضرب بالسياط على الدخول في الدنيا لهم، فأبى.
*وعن أبي مقاتل: سمعت أبا حنيفة يقول: الناس عندنا على ثلاث منازل؟ الأنبياء من أهل الجنة، ومن قالت الأنبياء إنه من أهل الجنة فهو من أهل الجنة.
والمنزلة الأخرى المشركون، نشهد عليهم انهم من أهل النار.
والمنزلة الثالثة المؤمنون: نقف عنهم، ولا نشهد على واحد منهم أنه من أهل الجنة ولا من أهل النار؛ ولكنا نرجو لهم، ونخاف عليهم، ونقول كما قال الله تعالى: (خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحاً وآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللهُ أنْ يَتُوُبَ عَلَيْهِمْ) ، حتى يكون الله عز وجل يقضي بينهم، وإنما نرجو لهم، لأن الله عز وجل يقول: (إنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلكَ لِمَنْ يَشَاء) ، ونخاف عليهم بذنوبهم وخطاياهم، وليس أحدٌ من الناس أوجب له الجنة ولو كان صواماً قواماً غير الأنبياء، ومن قالت فيه الأنبياء إنه من أهل الجنة.
*وعن أبي مقاتل أيضاً، عن أبي حنيفة، قال: الإيمان هو المعرفة، والتصديق، والإقرار بالإسلام.
قال: والناس في التصديق على ثلاث منازل: فمنهم من صدق الله، وما جاء منه بقلبه ولسانه.
ومنهم من صدق بلسانه، وهو يكذبه بقلبه.
ومنهم من يصدق بقلبه ويكذب بلسانه.
فأما من صدق الله، وما جاء به رسوله عليه الصلاة والسلام، بقلبه ولسانه، فهو عند الله وعند الناس مؤمن.
ومن صدق بلسانه، وكذب بقلبه، كان عند الله كافراً، وعند الناس مؤمناً؛ لأن الناس لا يعلمون ما في قلبه، وعليهم أن يُسموه مؤمناً، بما أظهر لهم من الإقرار بهذه الشهادة، وليس لهم أن يتكلفوا علم القلوب.
ومنهم من يكون عند الله مؤمناً، وعند الناس كافراً، وذلك أن يكون المؤمن يظهر الكفر بلسانه في حال التقية، فيسميه من لا يعرفه كافراً، وهو عند الله مؤمن. انتهى. وللإمام الأعظم رضي الله تعالى عنه وصية مشهورة، أوصى به أصحابهن تشتمل على كثير من أصول الدين، نقلها كثير من المؤرخين، يتعين إيرادها هنا، لما اشتملت عليه من صحيح الاعتقاد، ودفع الانتقاد، ورد كلام الحُساد، وهي هذه: قال، رضي الله تعالى عنه: اعلموا يا أصحابي وإخواني، أن مذهب أهل السنة والجماعة على اثنتي عشرة خصلة، فمن كان يستقيم على هذه الخصال لا يكون مبتدعاً، ولا صاحب هوى، فعليكم بهذه الخصال حتى تكونوا في شفاعة سيدنا محمد، عليه الصلاة والسلام: *الأولى، الإيمان، وهو إقرار باللسان، وتصديق بالجنان.
والإقرار وحدة لا يكون إيماناً؛ لأنه لو كان إيماناً لكان المنافقون كلهم مؤمنين.
وكذلك المعرفة وحدها لا تكون إيماناً، لأنها لو كانت إيماناً لكان أهل الكتاب كلهم مؤمنين.
قال الله تعالى في حق المنافقين: (وَاللهُ يَشْهَدُ إنَّ المُنَافِقِِينَ لَكاذِبُونَ) .
وقال في حق أهل الكتاب: (الذِينَ آتَيْنَاهُمُ الكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أبْنَاءَهُمْ) .
والإيمان لا يزيد ولا ينقص، لأنه لا يتصور نقصان الإيمان إلا بزيادة الكفر، ولا يتصور زيادته إلا بنقصان الكفر، وكيف يجوز أن يكون الشخص الواحد في حالة واحدة مؤمناً وكافراً.
والمؤمن مؤمن حقاً، والكافر كافر حقاً.
وليس في الإيمان شكٌ، كما أنه ليس في الكفر شكٌ، قال الله تعالى: (أُولئِكَ هُمُ المُؤمنُونَ حقاً) ، و (وَأُولئِكَ هُمُ الكَافِرونَ حَقاً) .
والعاصمون من أمة محمد صلى الله عليه وسلم كلهم مؤمنون حقاً، وليسوا بكافرين.