قال أبو حنيفة: للإمام أن يؤجرها من غيره، ويأخذ الخراج من أجرتها، سواء رضى بذلك صاحبها أم لم يرض.
وقال الشافعي: ليس للإمام ذلك.
*مسألة، إذا فتح السلطان بلدة من بلاد الكفار، فأراد أن يمن عليهم ويقرهم على أملاكهم، ويضع الجزية على رؤوسهم، ولا يقسمها بين الأجناد.
قال أبو حنيفة: له أن يفعل ذلك، سواء رضي الجند بذلك أم لم يرضوا.
وقال الشافعي: ليس له ذلك إلا برضى الجُند، وعليه أن يقسمها بين الغانمين.
وهذه مسألة نفسية، والعمل بها على مذهبنا.
*مسألة السلب في حال القتال لا يكون للقاتل عند أبي حنيفة، إلا أن يكون الإمام قال قبل ذلك: من قتل قتيلاً فله سلبه.
وقال الشافعي: السلب للقاتل، سواء قال الإمام ذلك أو لم يقل.
*مسألة، من عزره الإمام، لاستحقاقه التعزيز، فمات في تعزيره.
قال أبو حنيفة: لا ضمان عليه، ودمه هدر.
وقال الشافعي: يجب عليه الضمان.
*مسألة، من أحيى أرضاً مواتاً.
قال أبو حنيفة: إن أحياها بإذن الإمام ملكها.
وقال الشافعي: يملكها، ولا يحتاج إلى إذن الإمام.
*مسألة، إذا كان للرجل عبد فزنى، أو شرب خمراً، لا يقيم مولاه عليه الحد إلا بإذن الإمام.
وقال الشافعي: يقيم مولاه، ولا يحتاج إلى إذن الإمام.
وهو افتيات على السلطان في ولايته؛ قال عليه الصلاة والسلام: " الحدود للولاة ".
*مسألة، إذا كان للرجل سوائم، وحال عليها الحول، وأدى صاحبها زكاتها.
قال أبو حنيفة: للسلطان أن يأخذ زكاتها ثانياً، ويصرفها إلى الفقراء.
وقال الشافعي: ليس للسلطان ذلك.
وهو افتيات على السلطان أيضاً؛ فإن القبض في الأموال الظاهرة له، لا إلى أصحاب الأموال.
*مسألة أهل مصر خرجوا إلى المصلى يوم العيد، وأرادوا أن يصلوا العيد.
قال أبو حنيفة: إن كان السلطان أو نائبه معهم جاز، وإلا فلا.
وقال الشافعي: يجوز، ولا يحتاج إلى حضور السُلطان ولا نائبه.
*مسألة، رجل قتل لقيطاً متعمداً.
قال أبو حنيفة: للسلطان ولاية استيفاء القصاص من قاتله.
وقال الشافعي: ليس عليه ذلك.
*مسألة، رجل مات، فحضر السلطان وأولياء الميت جنازته.
قال أبو حنيفة: السلطان أحق بالتقديم للصلاة عليه من الأولياء.
وقال الشافعي: الأولياء أحق.
*مسألة، الجزية إذا أخذت على مذهبنا حصل أكثر مما أخذت على مذهبه، وكان أنفع لبيت المال؛ فإن عندنا يوضع على الغني الظاهر الغنى في كل سنة ثمانية وأربعون درهماً، وعلى المتوسط الغنى أربعة وعشرون درهماً، وعلى الفقير المعتمل اثنا عشر درهماً، وتؤخذ سلفاً، وعنده على كل شخص دينار، والدينار عشرة دراهم، فظهر التفاوت بينهما.
*مسألة الإمام إذا أخذ صدقات أموال الناس، ثم أراد أن يمنع أعيان الصدقة، ويدفع أبدالها وأثمانها إلى الفقراء.
قال أبو حنيفة: له فعل ذلك إذا رأى فيه المصلحة.
وقال الشافعي: ليس له ذلك.
*مسألة، السلطان إذا احتاج إلى تقويه الجيش، فأخذ من أرباب الأموال ما يكفيه من غير رضاهم، له ذلك.
ومثل هذه المسائل كثيرة، قل أن تحصر في مصنف، وفيما ذكرناه منها كفاية للمنصف؛ فإنه إذا تأمل ما أوردناه، ونظر بعين الإنصاف إلى ما قررناه، ظهر له أن مذهبنا أوفق للإمامة من غيره، وأكثر تفويضاً للأئمة من سواه، والله الموفق للصواب.
ومن التشنيعات أيضاً، قولهم: إنه قدم القياس الذي اختلف الناس في كونه حجة على الأخبار الصحيحة، التي اتفق العلماء على كونها حُجة.
والجواب أن هذا القول زعم منهم، فإن أبا حنيفة أخذ بكتاب الله تعالى، ثم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم بما اتفقت عليه الصحابة، ثم بما جاء عن واحد من الصحابة، وثبت ذلك واشتهر ولم يظهر له فيه مُخالف، وإن كان أمراً اختلف فيه الصحابة والعلماء، فإنه يقيس الشيء بالشيء حتى يتضح الأمر، ثم بالقياس إن لم يكن في الحادثة شيء مما ذكرناه.
والدليل على أن مذهب أبي حنيفة على الصفة المشروحة، ما روى أبو مطيع البلخي، قال: " كتب " أبو جعفر المنصور إلى أبي حنيفة يسأله عن مسائل، وكان مما سأل: أخبرني عن ما أنت عليه، فقد وقع فيك الناس، وزعموا أنك ذو رأي، وصاحب اجتهاد وقياس، وكتبت إليك بالمسائل، فإن كنت بها عالماً علمنا أنك تقول بما نقول، وإن اشتبهت عليك، وتماديت فيها، علمنا أنك تقول بالقياس، والسلام.