فأقبل حفص على المجوسي فقال: ما تقول؟ فقال: هذا المال على السيدة. قال: أنت أحمق تقر ثم تقول على السيدة، ما تقول يا رجل؟ قال: أصلح الله القاضي، إن أعطاني مالي وإلا حبسته. قال حفص: ما تقول يا مجوسي؟ قال: المال على السيدة. فقال حفص: خذوا بيده إلى الحبس.

فلما حبس بلغ الخبر أم جعفر، فغضبت، وبعثت إلي السندي: وجه إلى مرزبان. وكانت القضاة تحبس الغرماء في الحبس، فعجل السندي فأخرجه.

وبلغ حفصاً الخبر، فقال: أحبس أنا ويخرج السندي!! لا جلست مجلسي هذا أو يرد مرزبان إلى الحبس.

فجاء السندي إلى أم جعفر، فقال: الله الله في، إنه حفص بن غياث، وأخاف من أمير المؤمنين أن يقول لي: بأمر من أخرجته، رديه إلى الحبس وأنا أكلم حفصاً في أمره. فأجابته، ورجع مرزبان إلى الحبس، فقالت أم جعفر لهارون: قاضيك هذا أحمق، حبس وكيلي، واستخف به، فمره لا ينظر في الحكم، وتولى أمره إلى أبي يوسف. فأمر لها بالكتاب.

وبلغ حفصاً الخبر فقال للرجل: أحضر لي شهوداً حتى أسجل لك على المجوسي بالمال. فجلس حفص وسجل على المجوسي، وورد كتاب هارون مع خادم له، فقال: هذا كتاب أمير المؤمنين. قال: مكانك نحن في شيءٍ حتى نفرغ منه. فقال: كتاب أمير المؤمنين.

قال: انظر ما يقال لك.

فلما فرغ حفص من السجل أخذ الكتاب من الخادم، فقرأه فقال: اقرأ على أمير المؤمنين السلام، وأخبره أن كتابه ورد، وقد انفذت الحكم. فقال الخادم: قد والله عرفت ما صنعت، أبيت أن تأخذ كتاب أمير المؤمين حتى تفرغ مما تريد، والله لأخبرن أمير المؤمنين بما فعلت. فقال حفص: قل له ما أحببت.

فجاء الخادم، فأخبر هارون، فضحك، وقال للحاجب: مر لحفص بن غياث بثلاثين ألف درهم. فركب يحيى بن خالد فاستقبل حفصاً منصرفاً من مجلس القضاء. فقال: أيها القاضي، قد سررت أمير المؤمنين اليوم، وأمر لك بثلاثين ألف درهم، فما كان السبب في هذا؟ قال: تمم الله سرور أميرالمؤمنين، وأحسن حفظه وكلاءته، ما زدت على ما أفعل كل يوم، وما أعلم إلا أن يكون سجلت على مرزبان المجوسي بما أوجب عليه.

فقال يحيى بن خالد: فمن هذا سر أمير المؤمنين.

فقال حفص: الحمد لله كثيراً.

فقالت أم جعفر لهارون: لا أنا ولا أنت إلا أن تعزل حفصاً. فأبى عليها، ثم ألحت عليه، فعزله عن الشرقية، وولاه القضاء على الكوفة، فمكث عليها ثلاث عشرة سنة.

وكان حفص يقول: والله ما وليت القضاء حتى حلت لي الميتة.

ومات يوم مات ولم يخلف درهماً، وخلف عليه تسعمائة درهم ديناً.

قال بشر بن الوليد: ولي حفص القضاء من غير مشورة أبي يوسف، فاشتد عليه ذلك، فقال لي وللحسن بن زياد: تتبعا قضاياه. فتتبعناها، فلما نظر فيها قال: هذا من قضاء ابن أبي ليلى. ثم قال: تتبعا الشروط والسجلات. فلما نظر فيها قال: حفص ونظر أوه يعانون بقيام الليل.

وروى بسنده عن أبي يوسف، أنه قال حين ولى حفص قضاء الكوفة لأصحابه: اكسروا دفتراً لتكتبوا فيه نوادر قضاياه. فمرت قضاياه وأحكامه كالقدح، فقالوا لأبي يوسف: أما ترى؟ قال: ما أصنع بقيام الليل!! يريد أن الله وفقه بصلاة الليل للحكم.

ويروى أن رجلاً صالحاً رأى في منامه كأن زورقاً غرق بين الجسرين، وفيه عشرون قاضياً، فما نجا منهم إلا ثلاثة على سواتهم خرق؛ حفص بن غياث، والقاسم بن معن، وشريك.

وكان حفص لا يزوج يتيمة لمن يشرب النبيذ حتى يسكر، ولا لرافضي، فسئل عن ذلك، فقال: إن الرافضي عنده الثلاث واحدة، ومن يشرب النبيذ حتى يسكر يطلق ولا يدري.

قال الخطيب: وكان حفص كثير الحديث، حافظاً له، ثبتاً فيه، وكان أيضاً مقدماً عند المشايخ الذين سمع منهم الحديث.

وقال يحيى معين: جميع ما حدث به حفص بن غياث ببغداد والكوفة إنما هو من حفظه، لم يكن يخرج كتاباً، كتبوا عنه أربعة آلاف حديث من حفظه.

ومآثر حفص كثيرة، ومناقبه شهيرة، وفيما ذكرناه منها مقنع.

مات - رحمه الله تعالى - سنة أربع وتسعين ومائة. وقيل: ست وتسعين. وكان مولده سنة سبع عشرة ومائة. نفعنا الله ببركات علومه في الدنيا والآخرة. آمين.

786 - حفص، المعروف بالفرد

من أصحاب أبي يوسف، رحمه الله تعالى.

787 - الحكم بن زهير

قال المطرزي، في " المغرب ": خليفة أبي يوسف.

وذكره شمس الأئمة السرخسي، في " مبسوطه "، فقال: من كبار أصحابنا، وكان مولعاً بالتدريس.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015