وكانت وفاته بواشجرد، عند رباط يقال له: سروند، على جبل فوق واشجرد، سنة سبع وثلاثين ومائتين.
وله ولد يقال له: حسن، وقيل: يقال له خشكدا، والله تعالى أعلم.
وقد ذكر لحاتم الأصم هذا صاحب " مناقب الأبرار، ومحاسن الأخيار " ترجمة واسعة، ضمنها شيئاً كثيراً من زهدياته وحكمياته، لا بأس بإيرادها، أو إيراد خلاصتها، فإن غالبه ينبغي أن يكتب بماء الذهب على صفحات الخدود.
قال حاتم: من دخل في مذهبنا هذا فليجعل في نفسه أربع خصال من الموت، موت أبيض، وموت أسود، وموت أحمر، وموت أخضر؛ فالموت الأبيض الجوع، والأسود الاحتمال لأذى الناس، والأحمر مخالفة النفس، والأخضر طرح الرقاع بعضها على بعض.
وقال: العجلة من الشيطان إلا في خمس: إطعام الطعام إذا حضر ضيف، وتجهيز الميت إذا مات، وتزويج البكر إذا بلغت، وقضاء الدين إذا وجب، والتوبة من الذنب إذا أذنب.
وقال: من أصبح وهو مستقيم في أربعة أشياء فهو يتقلب في رضا الله تعالى؛ أولها الثقة بالله تعالى، ثم التوكل، ثم الإخلاص، ثم المعرفة، والأشياء كلها تتم بالمعرفة، فالواثق برزقه لا يفرح بالغنى، ولا يهتم بالفقر، ولا يبالي أصبح في عسر أو يسر.
وقال: أصل الطاعة ثلاثة أشياء: الخوف، والرجاء، والحب. وأصل المعصية ثلاثة أشياء: الكبر، والحرض، والحسد. فما يأخذه المنافق من الدنيا يأخذه بالحرص، ويمنعه بالشك، وينفقه بالرياء، والمؤمن يأخذ الخوف، ويمسك بالشدة، وينفق في الطاعة، خالصاً لله تعالى.
وقال: اطلب نفسك في أربعة أشياء: العمل الصالح بغير رياء، والأخذ بغير طمع، والعطاء بغير منة، والإمساك بغير بخل.
وقال: ما من صباح إلا والشيطان يقول لي: ما تأكل، وما تلبس، وأين تسكن؟ فأقول: آكل الموت، وألبس الكفن، وأسكن القبر.
وقال له رجل: ما تشتهي؟ فقال: اشتهي عافية يوم إلى الليل. فقيل له: أليست الأيام كلها عافية؟ فقال: إن عافية يومي أن لا أعصي الله تعالى فيه.
وقال: أربعةٌ يندمون على أربع: المقصر إذا فاته العمل، والمنقطع عن أصدقائه إذا نابته نائبة، والممكن منه عدوه بسوء رأيه، والجريء على الذنوب.
وقال: الزم خدمة مولاك تأتك الدنيا راغمة، والجنة عاشقة، وتعهد نفسك في ثلاثة مواضع: إذا عملت فأذكر نظر الله تعالى إليك، وإذا تكلمت فاذكر سمع الله تعالى إياك، وإذا سكت فاذكر علم الله تعالى فيك.
وقال له رجل: عظني. فقال: إن كنت تريد أن تعصي مولاك فاعصه في موضع لا يراك.
يعني أن الله تعالى يعلم السر والجهر، ولا يخفى عليه شيءٌ، ومن علم أن أفعاله وأقواله لا تخفى على الله تعالى، وأن الله مطلع عليه، وناظر إليه، يقبح منه العصيان، واتباع الشيطان، ويكون ذا جرأة على الله تعالى، وقليل الحياء منه، نعوذ بالله من ذلك.
وقال: من ادعى ثلاثاً بغير ثلاث فهو كذاب: من ادعى حب الله تعالى من غير ورع، عم محارمه فهو كذاب، ومن ادعى حب الجنة من غير إنفاق ماله في طاعة الله تعالى فهو كذاب، ومن ادعى حُب النبي صلى الله عليه وسلم من غير محبة الفقراء فهو كذاب.
وروى أن عصام بن يوسف مر بحاتم الأصم، وهو يتكلم في مجلسه، فقال له: يا حاتم، تُحسن تصلي؟ قال: نعم. قال: كيف تُصلي؟ قال حاتم: أقوم بالأمر، وأقف بالخشية، وأدخل بالنية، وأكير بالترتيل، وأركع وأسجد بالتواضع، وأجلس للتشهد بالتمام، وأسلم بالوقار والسنة، وأسلمها إلى الله تعالى بالإخلاص، وأرجع إلى نفسي بالخوف أن لا يقبلها مني، وأحفظ بالجهد إلى الموت. فقال له: تكلم، فأنت تحسن تصلي.
وروي أن شقيقا البلخي قال لحاتم الأصم: ما الذي تعلمت مني منذ صحبتني؟ قال: ستة أشياء: الأول، رأيت الناس كلهم في شك من أمر الرزق، فتوكلت على الله تعالى، لقوله تعالى: (ومَاَ مِنْ دَابَّةٍ فِي الأرْضِ إلا على اللهِ رِزْقُهَل) فعلمت أني من جملة الدواب فلم أشغل نفسي بشيءٍ قد تكفل لي به ربي. قال: أحسنت.
والثاني، رأيت أن لكل إنسان صديقاً يفئ إليه بسره، ويشكو إليه امره، فاتخذت لي صديقاً يكون لي بعد الموت، وهو فعل الخير، فصادقته ليكون عوناً لي عند الحساب، ويجوز معي على الصراط، ويثبتني بين يدي الله تعالى. قال: أحسنت.