فصل من اسمه أحمد شاذ، وإدريس، وأده بالي، وأرغون.

441 - أحمد شاذ

كذا رأيته في غالب الكتب والأشعار التي له فيها ذكر، وبعضهم كتبه أحمشاذ، فوصل بين الميم والشين، وأسقط الدال، وأتى به في الشعر كذلك، بحيث لو أتى بالدال لذهب الوزن فيه، ولعل إسقاط الدال لضرورة الشعر، والله تعالى أعلم.

وهو ابن عبد السلام بن محمود، أبو المكارم الغرنوي، الفقيه، الواعظ.

ذكره العماد الكاتب، في " الخريدة "، وأطال ترجمته، وساق كثيراً من أشعاره، فقال: كان من فحول العلماء، وقروم الفضلاء، بحراً متموجاً، وفجر متبلجاً، وهماماً فاتكاً، وحساماً باتكاً، إذا جادل جدل الأقران، وإذا ناظر بَذِّ النظراء والأعيان.

شاهدته بأصبهان في سني ثلاث، أو أربع، أو خمس وأربعين وخمسمائة، وجاورته فوجدته بحسن المنظر والمخبر، ذا رواء وروية، ولمعان وألمعية، فصيح العبارة، صبيح الشارة، مُتبحراً في العلوم، مالكاً عنان التصرف في إنشاء المنثور والمنظوم.

وكان عارفاً بتفسير كتاب الله تعالى، ومدة مقامه بأصبهان يعقد مجلس الوعظ بالجامع كل يوم أربعاء، ويتكلم على التوحيد، باللفظ السديد، وملك من قبول القلوب، ما أدرك به كل مطلوب، وسمح بإفادة نسبه، وإشاعة أدبه؛ لإشادة حسبه.

أذكر، وقد اقترح على فضلاء أصبهان، أن ينظم كل واحد منهم قصيدة على روى الذال المعجمة، فكنت ممن نظم، ورأيت عنده مجلدين من القصائد الذالية فيه على روي اسمه شاذ.

وله خاطر سمح باللفظ المبتكر، والمعنى المحرر.

ومن شعره الذي أنشده لنفسه بأصفهان، من قصيدة:

أَمَالِك رِقِّي مالَكَ اليومَ رِقَّةٌ ... على صَبْوَتي والحَيْنُ مِن تَبِعَاتِهَا

سَأَلْتَ حياتِي إذْ سأَلْتُك قُبْلَةً ... لِيَ الرِّبْحُ فيها خُذْ حَياتي وهَاتِهَا

ومنها أيضاً:

فَمَنْ مُبْلِغٌ عَنِّي المَعَالِيَ أنَّنِّي ... سأَقْضِي ولو يوماً حُقُوقَ عُفاتِهَا

ووجدت مكتوباً على ظهر كراسة، بخطه من شعره، هذين البيتين:

لو كنتُ ألف عامٍ في سَجْدَةٍ لِرَبِّي ... شُكْراً لِفَضْلِ يومٍ لم أَقْضِ بالتَّمامِ

العامُ ألفُ شهرٍ والشهرُ ألفُ يومٍ ... واليومُ ألفُ حِينٍ والحِينُ ألفُ عامِ

وكتب إليه صديقي النجيب أبو المعالي محمد بن مسعود بن القسَّأم، هذه الفُتيا، على سبيل المُفاكهة، بأصبهان:

يا إمامَ الناس هل من حَرَجٍ ... لِحَبيبٍ في الْتِشَامِ لِحَبِيبْ

برَّحَ الشَّوْقُ به لكنَّه ... عاشقٌ عَفُ النَّوى غيرُ مُريبْ

وتَفانى صبره في حُبِّه ... لِغزالٍ فاتِنِ الطَّ {ْفِ لَبِيْبْ

فتَّعاظى قُبْلَةً في غَفْلَةٍ ... مِن عَذُولٍ واسْتِرَاقِ مِن رَقيبْ

يا إمام الناسِ بَيِّنْ هل له ... في ثواب أو عقابٍ من نَصيبْ

فأجابه شمس الدين أحمد شاذ، عنها:

أيُها السائِلُ عن لَثْمِ الحبيبْ ... أَرْعِنِي سَمْعَكَ وافْهَمْ لأُجِيْبْ

ما اقتضاهُ العشقُ فالْزَمْ فالذي ... يقتضيهِ العشقُ فِعْلُ المُسْتَرِيبْ

ما على العاشِقِ في شرع الهوَى ... من مَلامٍ في التِثامٍ لِحَبيبْ

أدرك الوَرْدَ فإن شئتَ اقْتَطِفْ ... ما اقتَطَافُ الوردِ بالبِدْعِ الغَريب

خُذ من أحمد شاذَ فَتْوَى عالمٍ ... إنه يُخْطي فيها أو يُصِيبْ

وله من قصيدة:

يا عاذِلي كُفَّ عِنَانَ التِّلاَحْ ... ما أنا عن سُكْرِ هَواهُ بِصَاحْ

يقتلني سيفُ لِحاظِ الْمَهَا ... يضنْشُرُني رَشْفُ رُضابِ المِلاَحْ

يُنْطُقُنِي خُرْسُ خَلاخِيلها ... يُخرسني نُطْقُ حواشِي الوِشَاحْ

ومنها:

لا أُنْسَ إلا أُنْسُ عُهود الْحِمى ... آلَفَنَا الأُنْسُ بها والمِزاحْ

نَرْجِسُنا الطَّرْفُ وما وَرْدِنا ... من عَرق العارض والريقُ راحْ

لم أشكر الوَصْلَ فحُم النَّوى ... وعَرَّف الفجر ظلام الرَّواحْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015