ذَهَبْ كُؤُوسكَ بالمدامِ فقد أرَى ... للناسِ فيما يعشقون مَذاهِبَا
فمتى سلكت مِن الهُمومِ مَهالِكاً ... صادفتَ في فتح الدنان مَطالِبَا
ومتى امْتَطَيْتَ مِنَ الكُؤُوسِ كُميْتَهَا ... أَمْسَيْتَ تَمْشي في المسرةِ راكِبا
ومَتَى طَرَقْتَ عَشِيَّ أُنسٍ دَيْرَها ... لم تلقَ إلاَّ راغِباً أو رَاهِبا
وقال مضمناً، وأجاد:
يا صَاح قد حضر المُدام ومُنيَتِي ... وَحَظِيتُ بعدَ الهَجْرِ بالإِيِناسِ
وكَسا العِذَارُ الخَدَّ حسناً فاسقِنِي ... واجعلْ حديثَك كُلَّه في الكاسِ
وقال مضمناً أيضاً:
يقول عارضُ حِبي حينَ مَرَّ على ... رَوْضِ الخُدودِ كمرِّ الطَّيْف بالوَسَنِ
أَصْبَحْتُ أَلْطَفَ من مرِّ النَّسِِيمِ على ... زَهْرِ الرياضِ يكادُ الوَهْمُ يُؤْلمُنِي
وقال مضمناً أيضاً:
يقول العاذِلُونَ نَرَى رَماداً ... علَى خَدَّيْهِ من شعَرِ العِذارِ
فقُلتُ لهم صدَقْتُمْ غيرَ أني ... أرى خَلَلَ الرَّماد وميضَ نارِ
وله شعر كثير، وعنده أدب غزير، ومن أراد غير ما هنا، فعليه بمراجعة دواوينه، ومطالعة مجاميعه، فإن فيما ما يُقر العين، ويشرح الصدر.
420 - أحمد بن يهوذا، الشهاب، الدمشقي
ثم الطرابلسي، النحوي
ذكره في " الضوء اللامع "، وقال: ولد سنة بضع وسبعين، وتكسب بالشهادة، وتعاني العربية، فمهر فيها، واشتر بها، وأقرأها، وانتفع الناس به فيها، وشرع في نظم " التسهيل "، فنظم سبعمائة بيت، ومات قبل إكماله.
وكان تحول بعد فتنة اللنك إلى طرابلس، فقطنها إلى أن مات بها، في آخر سنة عشرين وثمانمائة، رحمه الله تعالى. انتهى.
قلت: أثنى عليه ابن حجر، في " إنبائه "، وما قاله السخاوي مأخوذ منه.
ورأيت في بعض المجاميع، معزوا إليه من الشعر، قصيدة، لا بأس بإيرادها، وهي قوله:
ما شئتُمُ أيُها العُذَّالُ لي قولوا ... طَعْمُ المَلامِ بضكْرِ الحِبِّ مَعْسُولُ
عذبٌ لَدَىّ عذابِي في محبَّتِهم ... فقَصَّرُوا في مَلامِ الصَّبِّ أو طيلوا
نعم صدقتُم بأن الحبَّ مَهْلَكَةٌ ... لكنْ جَناحِي إلى الساداتِ مَنْسُولُ
ولستُ أوَّلَ من غَرَّ الغرامُ به ... ولا حديثي لدى الحُفَّاظِ مجهولُ
قد هام في عَزَّة قبلي كُثَيِّرُها ... ومات قيسٌ بليلي وهو مشغولُ
وذَلَّلَتْ عَبْلَةٌ قبلي لِعَنْتَرِها ... ولم يَكُنْ فيه لولا الوَجْدُ تَذْلِيلُ
وفي جَمِيلٍ حديثٌ معَ بُثَيْنَتِهِ ... قديمُ عَهْدٍ بِطَيِّ الطِّرْسِ محمولُ
وجاء في نِسْوَةٍ قَطَّعْنَ مِن شَغَفٍ ... بحُسْنِ يوسفَ أَيْدِيهِنَّ تَنْزِيلُ
وقال كعبٌ وقد بانتْ سُعاد جَوىً ... بانتْ سعادُ فقلبي اليومَ مَتْبُولُ
يا راحلين بقلبٍ قد جنى تَلَفِى ... قِفُواء فؤادي فهو اليومَ مَسْئولُ
يا قلبُ مالك لا تلوى على جَسَدٍ ... كَسَوْتَه سَقَماً ما عنه تَحْوِيلُ
أهل الحجازِ فَدَتْكُمْ كلُّ جارِحةٍ ... أليس فيكم فؤادُ الصَّبِّ مَكْبُولُ
أليس منكم رسولُ الله وهو بكم ... وعنكُمُ قِيله للناسِ مَنْقُولُ
صلى الإله على المختار ما صَدَحَتْ ... وُرْقٌ وزِيدَ من الرحمنِ تَبْجيلُ
ومن المنسوب إليه في " المجموع " المذكور، هذه القصيدة:
أرى الأحبة عن شكوايَ قد عَدَلُوا ... وبين أهلِ الهوى في الوصلِ ما عَدَلُوا
خَلَّوا فؤادي ولكنْ حرَّقُوه جَوىً ... ما بالهم خرَّبُوا بيتاً به نزلوا
يا ليت شعري دَمِي دون الورى سَفَكُوا ... أم هم كذلك ما زالوا ولم يزلوا
بل لو رأيت غَداة البَيْنِ ما صنعُوا ... بالناس كم أسرُوا قوماً، وكم قتلوا
يا حادي العِيسِ قِفْ بالقوم إنَّهُمُ ... مِنْ جِرم نَصْلٍ رَمَوْا في القلب ما نَصَلُوا