الخطبة الثانية
في الأشهر الحرم إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان وسلم تسليما.
أما بعد: أيها الناس اتقوا الله تعالى وتيقنوا أن لله تعالى الحكمة البالغة فيما يصطفي من خلقه فالله تعالى يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس ويفضل من الأوقات ومن الأمكنة أماكن ففضل الله تعالى مكة على سائر البقاع ثم من بعدها المدينة مهاجر خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم ثم من بعدهما بيت المقدس مكان غالب الأنبياء الذين قص الله علينا نبأهم وجعل لمكة والمدينة حرما دون بيت المقدس وفضل الله تعالى بعض الشهور والأيام والليالي على بعض فعدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ثلاثة متوالية وشهر رجب الفرد بين جمادى وشعبان وخير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة وليلة القدر خير من ألف شهر فعظموا رحمكم الله تعالى ما عظمه الله فلقد ذكر أهل العلم أن الحسنات تضاعف في كل زمان ومكان فاضل وأن السيئات تعظم في كل زمان ومكان فاضل وشاهد هذا في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} [البقرة: 217] وقال تعالى في المسجد الحرام: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج: 25]
وإنكم اليوم تستقبلون الأشهر الحرم الثلاثة فلا تظلموا فيهن أنفسكم التزموا حدود الله تعالى أقيموا فرائض الله واجتنبوا محارمه أدوا الحقوق فيما بينكم وبين ربكم وفيما بينكم وبين عباده واعلموا أن الشيطان قد قعد لابن آدم كل مرصد وأقسم الله ليأتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا يجد أكثرهم شاكرين أقسم لله بعزة الله ليغوينهم أجمعين إلا عباد الله المخلصين إن الشيطان لحريص كل الحرص على إغواء بني آدم وإضلالهم يصدهم عن دين الله يأمرهم بالفحشاء والمنكر يحبب إليهم المعاصي ويكره إليهم الطاعات يأتيهم من كل جانب ويقذفهم بسهامه من كل جبهة إن رأى من العبد رغبة في الخير ثبطه