وحده من أقصى المملكة إلى أقصاها آمنا غير خائفا مستقرا غير قلق معه الأموال الكثيرة لا يخاف عليها ولا على نفسه من أجلها.
أما ترون إلى ما أنعم الله به عليكم من الأرزاق من قوت وفاكهة وملابس متنوعة ووسائل راحة من جميع الوجوه.
أما ترون إلى ما أنعم الله به عليكم هذا العام من الأمطار المباركة التي أحيا الله بها الأرض بعد موتها وأنبتت من كل زوج بهيج.
فاشكروا الله أيها المسلمون على هذه النعم اشكروه حق شكره شكرا حقيقيا فإن الشكر اعتراف العبد بقلبه بنعمة الله وأن يؤمن إيمانا صادقا بأن هذه النعم محض فضل من الله تعالى ليس له على الله منة فيها وإنما المنة لله تعالى فيها عليه.
لا يقل كما قال قارون إنما أوتيته على علم مني. ولا يقل كما يقول الكافر فيما حكى الله عنه: {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي} [فصلت: 50] أي أنني كفء له ومستحقه أنكر أن يكون من فضل الله عليه.
وإن الشكر أيها المسلمون ثناء على الله بنعمته عليك وحمد له وتحدث بها على سبيل الثناء على الله لا على سبيل الافتخار بها على عباد الله: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى: 11] وإن الشكر عمل بطاعة الله فعل لأوامره واجتناب لما نهى عنه.
فمتى قام العبد بهذه الأركان الثلاثة فقد شكر الله شكرا حقيقا. أما إذا كان يعتقد أن ما أصابه من نعم الله فهو مستحق له ولا منة لله عليه فيه فهذا كافر بنعمة الله معجب بعمله مغرور بنفسه فمن هو حتى لا يكون لله عليه منه.
وإذا كان لا يثني على الله بنعمته فكلما سئل عن حاله صار يشتكي ويتألم ويجحد ما أنعم الله به عليه ورأى أنه قد ظلم حيث لم يحصل له مثل فلان وفلان فهذا أيضا كافر بنعمة الله عليه محتقر لها وما يدريه لعله لو حصل له ما حصل لفلان لكان سببا لأشره وبطره وإعراضه عن الله.
وإذا كان لا يستعين بنعم الله على طاعته بل كانت نعم الله عليه سببا لأشره وبطره وإهماله لواجبات دينه ووقوعه في المعاصي فإنه قد بدل نعمة الله عليه كفرا ويوشك أن يسلبه الله هذه النعمة أو يغدقها عليه استدراجا من حيث لا يعلم فلا يزال على ذلك حتى يخرج من نعيمه في الدنيا إلى عذابه في الآخرة.
أيها المسلمون: إن من وفق للشكر فقد حصل له نعيم الدنيا والآخرة يعيش حميدا قائما بأمر الله ويموت سعيدا خالدا في ثواب الله ومن كفر أوشك أن يحل عليه عذاب الله