إن بعض العامة إذا رأى شخصا يريد أن يستفتي عالما يقول له ما حاجة تستفتي هذا واضح هذا حرام مع أنه في الواقع حلال فيحرمه ما أحل الله له أو يقول هذا واجب فيلزمه بما لم يلزمه الله به أو يقول هذا غير واجب فيسقط عنه ما أوجب الله عليه أو يقول هذا حلال وهو في الواقع حرام فيوقعه فيما حرم الله عليه وهذا جناية منه على شريعة الله وخيانة لأخيه المسلم حيث غره بدون علم.
لو أن شخصا سأل عن طريق بلد من البلدان فقلت الطريق من هنا وأنت لا تعلم لعد الناس ذلك خيانة منك وتغريرا فكيف تتكلم عن طريق الجنة وهو الشريعة التي أنزل الله وأنت لا تعلم عنها شيئا.
وإن بعض المتعلمين يقعون فيما يقع فيه العامة من الجرأة على الشريعة في التحليل والتحريم والإيجاب فيتكلمون فيما لا يعلمون ويجملون في الشريعة ويفصلون وهم من أجهل الناس في أحكام الله إذا سمعت الواحد منهم يتكلم فكأنما ينزل عليه الوحي من جزمه فيما يقول وعدم تورعه لا يمكن أن ينطبق بلا أدري أو لا أعلم مع أن عدم العلم هو وصفه الحق الثابت وهذا أضر على الناس من العامة لأن الناس ربما يثقون بقوله ويغترون به وليت هؤلاء يقتصرون على نسبة الأمر إليهم لا بل تراهم ينسبون ذلك للإسلام فيقول: الإسلام يقول كذا الإسلام يرى كذا وهذا لا يجوز إلا فيما علم القائل أنه من دين الإسلام ولا طريق إلى ذلك إلا بمعرفة كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- أو إجماع المسلمين عليه.
إن بعض الناس لجرأته وعدم ورعه يقول عن الشيء المحرم الواضح تحريمه ما أظن هذا حراما أو عن الشيء الواجب الواضح وجوبه ما أظن هذا واجبا إما جهلا منه أو عنادا أو مكابرة أو تشكيكا للناس في ذلك.
أيها الناس: إن من العقل وإن من الإيمان وإن من تقوى الله وتعظيمه أن يقول الرجل عما لا يعلم لا أعلم لا أدري اسأل غيري فإن ذلك من تمام العقل لأن الناس إذا رأوا تثبته وثقوا به ولأنه يعرف قدر نفسه حينئذ وينزلها منزلتها وإن ذلك من تمام الإيمان بالله وتقوى الله حيث لا يتقدم بين يدي ربه ولا يقول عليه ما لا يعلم ولقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يسأل عما لم ينزل عليه فيه الوحي فينتظر حتى ينزل عليه الوحي فيجيب الله سبحانه عما سئل عنه نبيه: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} [المائدة: 4] {وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا} [الكهف: 83]