الخطبة الثانية
في تحريم الإفتاء بغير علم الحمد لله له ملك السماوات والأرض وله الحمد في الأخرة وهو الحكيم الخبير وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في الملك والتدبير وأشهد أن محمدا عبده ورسوله البشير النذير والسراج المنير صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما.
أما بعد: أيها الناس اتقوا الله تعالى واعلموا أن الله وحده له الخلق والأمر فلا خالق إلا الله ولا مدبر للخلق إلا الله ولا شريعة للخلق سوى شريعة الله فهو الذي يوجب الشيء ويحرمه وهو الذي يندب إليه ويحلله ولقد أنكر الله على من يحللون ويحرمون بأهوائهم. فقال تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ - وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [يونس: 59 - 60] ويقول تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ - مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النحل: 116 - 117]
أيها الناس: إن من أكبر الجنايات أن يقول الشخص عن شيء إنه حلال وهو لا يدري عن حكم الله فيه أو يقول عن الشيء إنه حرام وهو لا يدري عن حكم الله فيه أو يقول عن الشيء إنه واجب وهو لا يدري أن الله أوجبه أو يقول عن الشيء إنه غير واجب وهو لا يدري أن الله لم يوجبه.
إن هذا جناية وسوء أدب مع الله عز وجل كيف تعلم أن الحكم لله ثم تتقدم بين يديه فتقول في دينه وشريعته ما لا تعلم لقد قرن الله تعالى القول عليه بلا علم بالشرك به فقال سبحانه وتعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 33]
أيها الناس: إن كثيرا من العامة يفتي بعضهم بعضا بما لا يعلمون فتجدهم يقولون هذا حلال أو حرام أو واجب أو غير واجب وهو لا يدري عن ذلك أفلا يعلم هذا الرجل أن الله سائله عما قال يوم القيامة أفلا يعلم أنه إذا أضل شخصا فأحل له ما حرم الله أو حرمه مما أحل الله له فقد باء بإثمه وكان عليه مثل وزر ما عمله من إثم بسبب فتواه؟