فعلم أنه أحوج إلى الدعاء له بعد الدفن، فإذا كنا على جنازته ندعو له، لا ندعو به، ونشفع له، لا نستشفع له فبعد الدفن أولى وأحرى.
فبدل أهل البدع والشرك قولاً غير الذي قيل لهم، بدلوا الدعاء له بدعائه نفسه، والشفاعة له بالاستشفاع به، وقصدوا بالزيارة التي شرعها رسول الله صلى الله عليه وسلم إحساناً إلى الميت، وإحساناً إلى الزائر، وتذكيراً بالآخرة: سؤال الميت، والإقسام به على الله، وتخصيص تلك البقعة بالدعاء الذي هو مخ العبادة، وحضور القلب عندها، وخشوعه أعظم منه في المساجد وأوقات الأسحار.
ومن المحال أن يكون دعاء الموتى أو الدعاء بهم، أو الدعاء عندهم، مشروعاً وعملاً صالحاً، ويصرف عنه القرون الثلاثة المفضلة بنص رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يرزقه الخلوف الذي يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون.
فهذه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أهل القبور بضعاً وعشرين سنة، حتى توفاه الله تعالى، وهذه سنة خلفائه الراشدين، وهذه طريقة جميع الصحابة والتابعين لهم بإحسان، هل يمكن بشراً على وجه الأرض أن يأتي عنهم بنقل صحيح، أو حسن، أو ضعيف، أو منقطع: أنهم كانوا إذا كان لهم حاجة قصدوا القبور فدعوا عندها،