فتوفى الله سعود رحمه الله وهم غزاة على من كان معيناً لهذا العسكر من البوادي، فأخذوا وغنموا، فبقي لهم من الولاية ما كانوا عليه أولاً، إلا ما كان من مكة والطائف وبعض الحجاز، وبعد وفاة سعود رحمه الله تجهزوا للجهاد على اختلاف كان من أولئك الأولاد، فصار المسلمون جانبين جانباً مع عبد الله وجانباً مع فيصل أخيه، فنزل الحناكية عبد الله، ونزل فيصل تربة باختيار وأمر من أخيه له، فوافق أن محمد علي حج تلك السنة فواجه فيصل هناك فطلب منه أن يصالحه على الحرمين، فأبى فيصل، وأغلظ له الجواب، وفيما قال:
لا أصلح الله منا من يصالحكم
... حتى يصالح ذئب المعز راعيها
فأخذت محمد علي العزة والأنفة فصار إلى بسل، والظاهر أنه كان حريصاً على الصلح فاستعجل فيصل بمن معه فساروا إليه في بسل، وقد استعد لحربهم خوفاً مما جرى منهم، فأقبلوا وهم في منازلهم فصارت عليهم العساكر والخيول فولوا مدبرين، لكن الله أعز المسلمين فحبس عنهم تلك الدول والخيول، حتى وقفوا على التلول، فسلم أكثر المسلمين من شرهم، واستشهد منهم القليل، ولا بد في القتال أن ينال المسلم أو يُنال منه، قال الله تعالى: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران:140] الآيات، وقال تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّه}