وَكَذَا الْمُحب بن هِشَام كَانَ حسن التَّصَرُّف فِيهَا لوفور ذكائه وَكَانَ الغماري فائقا فِي حفظهَا والعز بن جمَاعَة فِي تفننه فِي عُلُوم كَثِيرَة بِحَيْثُ أَنه كَانَ يَقُول)

أَنا أَقْْرِئ فِي خَمْسَة عشر علما لَا يعرف عُلَمَاء عصري أسماءها، وَأذن لَهُ جلهم أَو جَمِيعهم كالبلقيني والعراقي فِي الْإِفْتَاء والتدريس. وتصدى لنشر الحَدِيث وَقصر نَفسه عَلَيْهِ مطالعة وَقِرَاءَة وإقراء وتصنيفا وإفتاء وَشهد لَهُ أَعْيَان شُهُوده بِالْحِفْظِ وزادت تصانيفه الَّتِي معظمها فِي فنون الحَدِيث وفيهَا من فنون الْأَدَب وَالْفِقْه والأصلين وَغير ذَلِك على مائَة وَخمسين تصنيفا ورزق فِيهَا من السعد وَالْقَبُول خُصُوصا فتح الْبَارِي بشرح البُخَارِيّ الَّذِي لم يسْبق نَظِيره أمرا عجبا بِحَيْثُ استدعى طلبه مُلُوك الْأَطْرَاف بسؤال عُلَمَائهمْ لَهُ فِي طلبه وَبيع بِنَحْوِ ثلثمِائة دِينَار وانتشر فِي الْآفَاق وَلما تمّ لم يتَخَلَّف عَن وَلِيمَة خَتمه فِي التَّاج والسبع وُجُوه من سَائِر النَّاس إِلَّا النَّادِر وَكَانَ مَصْرُوف ذَلِك إِلَيْهِم نَحْو خَمْسمِائَة دِينَار، واعتنى بتحصيل تصانيفه كثير من شُيُوخه وأقرانه فَمن دونهم وكتبها الأكابر وانتشرت فِي حَيَاته وأقرأ الْكثير مِنْهَا وَحفظ غير وَاحِد من الْأَبْنَاء عدَّة مِنْهَا وعرضوها على جاري الْعَادة على مشائخ الْعَصْر. وَأنْشد من نظمه فِي المحافل وخطب من ديوانيه على المنابر لبليغ نظمه ونثره. وَكَانَ مصمما على عدم دُخُوله فِي الْقَضَاء حَتَّى أَنه لم يُوَافق الصَّدْر الْمَنَاوِيّ لما عرض عَلَيْهِ قبل الْقرن النِّيَابَة عَنهُ عَلَيْهَا ثمَّ قدر أَن الْمُؤَيد ولاه الحكم فِي بعض القضايا وَلزِمَ من ذَلِك النِّيَابَة وَلكنه لم يتَوَجَّه إِلَيْهَا وَلَا انتدب لَهَا إِلَى أَن عرض عَلَيْهِ الِاسْتِقْلَال بِهِ وألزم من أَجَابَهُ بقبوله فَقبل وَاسْتقر فِي الْمحرم سنة سبع وَعشْرين بعد أَن كَانَ عرض عَلَيْهِ فِي أَيَّام الْمُؤَيد فَمن دونه وَهُوَ يَأْبَى وتزايد ندمه على الْقبُول لعدم فرق أَرْبَاب الدولة بَين الْعلمَاء وَغَيرهم ومبالغتهم فِي اللوم لرد إشاراتهم وَإِن لم تكن على وفْق الْحق بل يعادون على ذَلِك واحتياجه لمداراة كَبِيرهمْ وصغيرهم بِحَيْثُ لَا يُمكنهُ مَعَ ذَلِك الْقيام بِكُل مَا يرومونه على وَجه الْعدْل وَصرح بِأَنَّهُ جنى على نَفسه بتقلد أَمرهم وَأَن بَعضهم ارتحل للقائه وبلغه فِي أثْنَاء توجهه تلبسه بوظيفة الْقَضَاء فَرجع، وَلم يلبث أَن صرف ثمَّ أُعِيد وَلَا زَالَ كَذَلِك إِلَى أَن أخْلص فِي الإقلاع عَنهُ عقب صرفه فِي جُمَادَى الثَّانِيَة سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين بعد زِيَادَة مدد قَضَائِهِ على إِحْدَى وَعشْرين سنة وزهد فِي الْقَضَاء زهدا تَاما لِكَثْرَة مَا توالى عَلَيْهِ من الأنكاد والمحن بِسَبَبِهِ وَصرح بِأَنَّهُ لم تبْق فِي بدنه شَعْرَة تقبل اسْمه. ودرس فِي أَمَاكِن كالتفسير بالحسنية والمنصورية

طور بواسطة نورين ميديا © 2015