وَأَقل العبيد لَهُ سِتّ سِنِين عَن تِلْكَ المسالك وَقد غلب عَلَيْهِ الشوق حَتَّى جلّ عمره عَن الطوق وَمن أقْصَى أمْنِيته أَن يجدد الْعَهْد بِتِلْكَ الْمعَاهد ويفوز مرّة أُخْرَى بتقبيل تِلْكَ الْمشَاهد وسؤاله من المراحم الحسنية الصَّدَقَة عَلَيْهِ بتجهيزه فِي هَذِه الْأَيَّام مُجَردا عَن الأهالي والأقوامقبل اشتداد الْحر وَغَلَبَة الأوام فَإِن الْفَصْل أطيب وَالرِّيح أزيب وَمن الْمُمكن أَن يفوز الْإِنْسَان بِإِقَامَة شهر فِي كل حرم ويحظى بالتملي من مهابط الرَّحْمَة وَالْكَرم وَأَيْضًا كَانَ من عَادَة الْخُلَفَاء سلفا وخلفا أَنهم كَانُوا يبردون الْبَرِيد عمدا قصدا لتبليغ سلامهم إِلَى حَضْرَة سيد الْمُرْسلين صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِ مدَدا فَاجْعَلْنِي جعلني الله فدَاك ذَاك الْبَرِيد فَلَا أَتَمَنَّى شَيْئا سواهُ وَلَا أُرِيد:

(شوقي إِلَى الْكَعْبَة الغراء قد زادا ... فاستحمل القلص الوجادة الزادا)

(وَاسْتَأْذَنَ الْملك المنعام زيد علا ... واستودع الله أصحابا وأولادا)

فَلَمَّا وصل هَذَا إِلَى السُّلْطَان كتب فِي طرة الْكِتَابَة مَا مِثَاله: صدر الْجمال الْمصْرِيّ على لساني مَا يحققه لَك شفاها أَن هَذَا شَيْء لَا ينْطق بِهِ لساني وَلَا يجْرِي بِهِ قلمي فقد كَانَت الْيَمين عميا فاستنارت فَكيف يُمكن أَن تتقدم وَأَنت تعلم أَن الله تَعَالَى قد أَحْيَا بك مَا كَانَ مَيتا من الْعلم فبالله عَلَيْك إِلَّا مَا وهبت لنا بَقِيَّة هَذَا الْعُمر وَالله يَا مجد الدّين يَمِينا بارة أَنِّي أرى فِرَاق الدُّنْيَا وَنَعِيمهَا وَلَا فراقك أَنْت الْيمن وَأَهله. وَذكره التقي الفاسي فَقَالَ: وَكَانَت لَهُ بِالْحَدِيثِ عناية غير)

قَوِيَّة وَكَذَا بالفقه وَله تَحْصِيل فِي فنون من الْعلم سِيمَا اللُّغَة فَلهُ فِيهَا الْيَد الطُّولى وَألف فِيهَا تواليف حَسَنَة مِنْهَا الْقَامُوس وَلَا نَظِير لَهُ فِي كتب اللُّغَة لِكَثْرَة مَا حواه من الزِّيَادَات على الْكتب الْمُعْتَمدَة كالصحاح، قلت وَقد ميز فِيهِ زياداته عَلَيْهِ فَكَانَت غَايَة فِي الْكَثْرَة بِحَيْثُ لَو أفردت لجاءت قدر الصِّحَاح أَو أَكثر فِي عدد الْكَلِمَات وَأما مَا نبه عَلَيْهِ من أَوْهَامه فشيء كثير أَشَارَ إِلَيْهِ فِي الْهَامِش بصفر وأعراه من الشواهد اختصارا، وَنبهَ فِي خطبَته على الِاكْتِفَاء عَن قَوْله مَعْرُوف بِحرف الْمِيم وَعَن مَوضِع بِالْعينِ وَعَن الْجمع بِالْجِيم وَعَن جمع الْجمع بجج وَعَن الْقرْيَة بِالْهَاءِ وَعَن الْبَلَد بِالدَّال وَضبط ذَلِك بالنظم بَعضهم بل أثنى على الْكتاب الْأَئِمَّة نظما ونثرا وَتعرض فِيهِ لأكْثر أَلْفَاظ الحَدِيث والرواة وَوَقع لَهُ فِي ضبط كثيرين خطأ فَإِنَّهُ كَمَا قَالَ التقي الفاسي فِي ذيل التَّقْيِيد لم يكن بالماهر فِي الصَّنْعَة الحديثية وَله فِيمَا يَكْتُبهُ من الْأَسَانِيد أَوْهَام وَأما شَرحه على البُخَارِيّ فقد ملأَهُ بِغَرَائِب المنقولات سِيمَا أَنه لما اشتهرت بِالْيمن مقَالَة ابْن عَرَبِيّ وغلبت على عُلَمَاء تِلْكَ الْبِلَاد صَار يدْخل فِي شَرحه من قبوحاته الهلكية مَا كَانَ سَببا لشين الْكتاب الْمَذْكُور، وَلذَا قَالَ شَيخنَا أَنه رأى الْقطعَة الَّتِي كملت مِنْهُ فِي حَيَاة مُؤَلفه وَقد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015