وَعمل غير ذَلِك يَسِيرا، وَكَانَ إِمَامًا عَالما فَقِيها محققا لفنون ذكيا بحاثا نظارا فصيحا حسن التَّقْرِير مديما للاشتغال والإشغال منجمعا عَن بني الدُّنْيَا قانعا باليسير متعبدا متين الدّيانَة وافر الْعقل كثير التَّحَرِّي وَالْحيَاء والحشمة وَالْأَدب متواضعا بشوشا بهيا عطر الرَّائِحَة نقي الثِّيَاب تاركاص للفضول وَذكر النَّاس بل إِذا سمع من أحد غيبَة وَلَو جلّ بادره وَهُوَ يتبسم بقوله اسْتغْفر الله، محببا للخاص وَالْعَام سريع الْكِتَابَة وَالْقِرَاءَة رَاغِبًا فِي تَقْيِيد كتبه بالحواشي المفيدة غَالِبا، وَقد رافقته فِي بعض مَا قَرَأَهُ على شَيخنَا وَسمعت أبحاثه وَكَانَ شَيخنَا كثير الإجلال لَهُ وَرُبمَا حرج من تصميمه فِيمَا يبديه وَصَارَ بَيْننَا مزِيد اخْتِصَاص بِحَيْثُ قَالَ لي عقب كَلَام نقل لَهُ عَن شخص فِي حَقه تألم مِنْهُ مَا خرجت من الْقُدس وَأَنا مُحْتَاج لأحد فِي عُلُوم النَّاس وَقَالَ لي كنت عِنْد)
مجيئي إِذا انْكَشَفَ ساقي وَأَنا فِي خلوتي أبادر لستره مَعَ الاسْتِغْفَار إِلَى غير هَذَا، وحمدت صحبته بل حَدثنِي من لَفظه بِبَعْض الْأَحَادِيث بسؤالي لَهُ فِي ذَلِك، وكتبت عَنهُ قَوْله فِي الْخِصَال الَّتِي ذكر ابْن سعد أَن الْعَبَّاس أوصى بهَا عُثْمَان رَضِي الله عَنْهُمَا:
(اصفح تحبب وَدَار أَصْبِر تَجِد شرفا ... وكاتم السِّرّ فهذي الْخمس قد أوصى)
(بِهن عُثْمَان عَبَّاس فدع جدلا ... وَانْظُر إِلَى قدر من أوصى وَمَا أوصى)
وَقَوله فِي شُرُوط الرَّاوِي وَالشَّاهِد:
(بُلُوغ واسلام وعقل سَلامَة ... من الفصسق مَعَ خرم الْمُرُوءَة فِي الْخَبَر)
(شُرُوط وزدها فِي الشَّهَادَة سالما ... من الرّقّ فالمجموع يدريه من خبر)
مَاتَ فِي يَوْم السبت مستهل ربيع الأول سنة خمس وَخمسين وَصلى عَلَيْهِ من الْغَد وَدفن بحوش صوفية سعيد السُّعَدَاء رَحمَه الله وإيانا فقد كَانَ من محَاسِن الْعلمَاء.
388 - مُحَمَّد الْمُحب بن حسان شَقِيق الَّذِي قبله. ولد سنة خمس عشرَة وَثَمَانمِائَة بِبَيْت الْمُقَدّس / وَمَات أَبوهُ وَهُوَ صَغِير فَنَشَأَ وَحفظ الْقُرْآن وَسمع بِهِ على ابْن الْجَزرِي مَا سبق فِي أَخِيه وَحضر بعض الدُّرُوس، وَقدم مَعَ أَخِيه الْقَاهِرَة واستجاز لَهُ الْمجد إِسْمَعِيل الْبرمَاوِيّ والشهاب الوَاسِطِيّ والمحب بن نصر الله والكلوتاتي والمقريزي وَشَيخنَا بل سمع عَلَيْهِ أَشْيَاء وعَلى الْبَدْر حُسَيْن البوصيري الْأَدَب للْبُخَارِيّ وَثَلَاثَة مجَالِس من آخر سنَن الدَّارَقُطْنِيّ من عشرَة بِقِرَاءَة شَيخنَا ابْن خضر وَوَصفه بالشيخ الْفَاضِل فِي آخَرين، وَكَذَا وَصفه الزين رضوَان بالفاضل، وتنزل فِي الْجِهَات