الله فِي شَوَّال سنة خمس عشرَة وَبَالغ فِي إكرامه والاختصاص بِهِ بِحَيْثُ لم يكن يخرج عَن رَأْيه فِي غَالب الْأُمُور وَلَا يُفَارِقهُ بل يَأْمُرهُ بالمبيت عِنْده فِي كثير من اللَّيَالِي وَصَارَ مدَار الدولة المؤيدية عَلَيْهِ وَحصل أَمْوَالًا جمة وأخمد ذكر كثير مِمَّن كَانَ يناوئه ونال من الْحُرْمَة والوجاهة مَا لم ينله غَيره من أَبنَاء جنسه وَاسْتقر بِهِ خطيب جَامعه وخازن كتبه وَكَانَ بَيته متنزها لَهُ، وَسَار على طَريقَة الْمُلُوك فِي مماليكه وحشمه إِلَى أَن مرض فِي أَوَائِل رَمَضَان وَلزِمَ الْفراش مُدَّة، ثمَّ مَاتَ بعلة الصرع فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء ثامن شَوَّال سنة ثَلَاث وَعشْرين وَدفن بجوار الإِمَام الشَّافِعِي تَحت شباكه من القرافة على وَلَده الشهَاب أَحْمد وَمَشى النَّاس فِي جنَازَته من منزله بالخراطين إِلَى الرميلة وَلم يصل عَلَيْهِ السُّلْطَان لِأَنَّهُ كَانَ حِينَئِذٍ فِي غَايَة الضعْف بل حضر جنَازَته كل من بِالْقَاهِرَةِ من الْقُضَاة وَالْعُلَمَاء والمشايخ والأمراء والخليفة وتقدمهم الشَّافِعِي، وَظَهَرت لَهُ أَمْوَال عَظِيمَة احتاط السُّلْطَان على معظمها. ذكره شَيخنَا فِي مُعْجَمه وَقَالَ أَنه)

بَاشر بِوَجْه طلق وجاه مبذول إِلَّا أَنه فِي أَوَاخِر أمره أفحش فِي الارتشاء على الْوَظَائِف وَكَانَ شَدِيد العصبية لأَصْحَابه والأذية لأعدائه كَمَا قيل:

(فَتى كَانَ فِيهِ مَا يسر صديقه ... على أَن فِيهِ مَا يسوء الأعاديا)

قَالَ وَكَانَ يتوقد ذكاء مَعَ بعد عَهده بالاشتغال والمطالعة يستحضر كثيرا من محفوظاته الْفِقْهِيَّة والأدبية وَغَيرهَا وينشد القصيدة الطَّوِيلَة الَّتِي حفظهَا من عشر سِنِين وَلَا يتلعثم حفظه أَنْشدني لنَفسِهِ:

(طَابَ افتضاحي فِي هَوَاهُ مُحَاربًا ... فلهوت عَن علمي وَعَن آدابي)

(وبذكره عِنْد الصَّلَاة وباسمه ... أشدو فواطرباه فِي الْمِحْرَاب)

وَقَوله لما اعتقل ببرج الخيالة بِدِمَشْق:

(مذ ببرج الخيالة اعتقلوني ... صحت وَالنَّفس بالجوى سياله)

(يال قومِي ويال أَنْصَارِي الغ ... ر ويال الرِّجَال للخياله)

قَالَ وأنشدني لنَفسِهِ كثيرا وَلغيره وَلم أر من أَبنَاء جنسه من يجْرِي مجْرَاه، وَقَالَ فِي إنبائه أَنه اسْتمرّ يُكَرر على الْحَاوِي ويستحضر مِنْهُ ويعاني الْآدَاب وَقَالَ الشّعْر وَكتب الْخط الْجيد وَكَانَ لطيف المنادمة كثير الرياسة ذَا طلاقة وَبشر وإحسان للْعُلَمَاء والفضلاء على طَريقَة قدماء الكرماء، وَقَالَ غَيره: كَانَ إِمَامًا عَالما بارعا ناظما ناثرا مفوها فصيحا مقداما طلقا خَطِيبًا بليغا ذَا معرفَة تَامَّة ورأي وتدبير وسياسة وعقل ودهاء وَقَالَ ابْن خطيب الناصرية فِي تَارِيخ حلب: كَانَ رَئِيسا كَبِيرا ذَا مُرُوءَة وعصبية لَهُ نظم رائق ونثر فائق وَهُوَ مِمَّن قرض لِابْنِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015