وعاشر التقي بن حجَّة الشَّاعِر فَتخرج بِهِ فِي الْأَدَب ونظم الشّعْر الْحسن فأجاد ثمَّ أعرض عَنهُ وغسله بِحَيْثُ لم يتَأَخَّر مِنْهُ إِلَّا مَا كَانَ حفظ عَنهُ، وجاور بالجامع الْأَزْهَر وَحج فِي سنة ثَلَاثِينَ وزار الْقُدس سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَسمع هُنَاكَ على الشَّمْس ابْن الْمصْرِيّ وَكَذَا قَرَأَ بِالْقَاهِرَةِ صَحِيح مُسلم على الزَّرْكَشِيّ وختمه فِي يَوْم عَرَفَة سنة أَرْبَعِينَ وَسمع على غَيره شَيخنَا وَصَحب الشّرف بن الْعَطَّار وبواسطته نَاب فِي خزن الْكتب بالمويدية وتنزل فِي صوفي الأشرفية برسباي مَعَ شَيْخه القاياتي، وَكَانَ كثير التِّلَاوَة منجمعا عَن النَّاس ذَا تهجد تَامّ لَا يقطعهُ بِحَيْثُ إِذا ألم بأَهْله يغْتَسل لأَجله خَفِيف ذَات الْيَد على طَرِيق السّلف فِي ملبسه وَمِمَّنْ قَرَأَ عَلَيْهِ نصف البُخَارِيّ الْفَخر عُثْمَان الديمي. مَاتَ فِي يَوْم الثُّلَاثَاء حادي عشري ذِي الْقعدَة وأرخه شَيخنَا فِي شَوَّال سنة خمس وَأَرْبَعين بِالْقَاهِرَةِ بعد توعك يسير بِمَرَض صَعب وَصلى عَلَيْهِ القاياتي بِجَامِع الْأَزْهَر وَدفن بالصحراء جوَار الشَّيْخ سليم خلف جَامع حمص أَخْضَر وَكَانَ ذكر لأَصْحَابه أَنه رأى فِي الْمَنَام أَنه يؤم بناس كثيرين وَأَنه قَرَأَ بِسُورَة نوح وَوصل إِلَى قَوْله تَعَالَى: إِن أجل الله إِذا جَاءَ لَا يُؤَخر فَاسْتَيْقَظَ وَهُوَ وَجل فقصه على بعض أَصْحَابه وَقَالَ هَذَا دَلِيل على أَنِّي أَمُوت فِي هَذَا الْمَرَض فَكَانَ كَذَلِك بل حكوا عَنهُ أَنه كَانَ يُحَدِّثهُمْ فِي مَرضه بِأُمُور قبل وُقُوعهَا فَتَقَع كَمَا قَالَ رَحمَه الله وإيانا. وَمن نظمه:
(وصالك معتز وحسنك حَاكم ... ولحظك مَنْصُور وصدك قاهر)
(وصبري مَأْمُون وقلبي واثق ... ودمعي سفاح وَمَالِي نَاصِر)
مُحَمَّد بن عمر بن عبد الله الشَّمْس أَبُو عبد الله الدَّمِيرِيّ ثمَّ الْمحلي الْمَالِكِي ثمَّ الشَّافِعِي وَيعرف بِابْن كتيلة بِضَم الْكَاف ثمَّ مثناة مَفْتُوحَة وَآخره لَام. نَشأ وتفقه بالولي الْعِرَاقِيّ وَالشَّمْس بن النصار نزيل القطبية وَغَيرهمَا، وَأخذ الْفَرَائِض والحساب وَغَيرهمَا عَن نَاصِر الدّين البارنباري وَصَحب مُحَمَّد الْحَنَفِيّ وصاهره على ابْنَته فأنجب مِنْهَا وَلَده أَبَا الْغَيْث مُحَمَّدًا وانتفع بِصَاحِبِهِ أبي الْعَبَّاس السرسي وابتنى لنَفسِهِ بالمنشية الْمُجَاورَة للمحلة جَامعا وَأقَام بِهِ يدرس ويفتي ويربي المريدين بل ويعظ يَوْمًا فِي الْأُسْبُوع مَعَ الْمُحَافظَة على الْخَيْر وَالْعِبَادَة والأوراد وَالذكر واشتماله على مزِيد التَّوَاضُع وَحسن السمت وبهاء المنظر وإكرام الوافدين وتقلله من الدُّنْيَا وَقد لَقيته بجامعه الْمَذْكُور وَسمعت من فَوَائده وَعمر طَويلا)
وضعفت حركته إِلَى أَن مَاتَ قبيل الْفجْر من لَيْلَة الْخَمِيس خَامِس ربيع الثَّانِي سنة سبع وَثَمَانِينَ، وفاحت إِذْ ذَاك فِيمَا قيل ريح طيبَة مَلَأت الْبَيْت لَا تشبه رَوَائِح الطّيب وَلَا الْمسك