فِي الحَدِيث علوما أَو متونا وَيَوْما لسعد الدّين بن الديري فِي الْفِقْه أَو التَّفْسِير وَيَوْما للسكافياجي فِي عُلُوم أُخْرَى وَكِلَاهُمَا مَعَ غَيرهمَا مِمَّن أَخذ عَنْهُم قبل تملك الرمْح والكرة وَغَيرهَا من أَنْوَاع الفروسية وَالْعقل الغزير وَالتَّدْبِير والسياسة والتواضع والبشاشة وَحسن الشكالة والمحاضرة ومزيد الْبر وَقلة الْأَذَى والسيرة الْحَسَنَة والحرص على التجمل فِي مماليكه وحشمه وَالسير على قَاعِدَة الْمُلُوك فِي ركُوبه وجلوسه بِحَيْثُ تأهل للسلطنة بِلَا مدافعة، بل لقبه جمَاعَة من الشُّعَرَاء بالناصر فِي قصائدهم وانفراده بأوصافه عَن سَائِر أَبنَاء جنسه وَكَثْرَة إِنْكَاره على مَا لَا يَلِيق بِالشَّرْعِ وَشدَّة بغضه للبدع وعيبه لمن يَفْعَلهَا سِيمَا الرافضة خَفِيف الْوَطْأَة على النَّاس لم نسْمع عَنهُ بمظلمة لأحد وَلَا دُخُولا فِيمَا لَا يعنيه وَلَا تعصبا فِي بَاطِل وَكَانَ يحضر كل مَا ذكر من الدُّرُوس جمَاعَة من الْفُضَلَاء وَيَقَع بَينهم الْبَحْث فيجاريهم أحسن مجاراة ويداري كلا مِنْهُم أجمل مداراة حَتَّى كَأَنَّهُ أحدهم وَرُبمَا اقترح على بَعضهم مَا ينعش بِهِ الخاطر وَيجْبر بِهِ الْقلب فَكَانَ منزله مجمع الْفُضَلَاء ومربع النبلاء لَا سِيمَا من الشَّافِعِيَّة حَتَّى تكلم فِيهِ عِنْد أَبِيه بِسَبَب جعل إِمَامه مِنْهُم فَلم يُؤثر ذَلِك فِيهِ وتعاقب عِنْده ثَلَاثَة أَئِمَّة كلهم شافعية، وَقَرَأَ الشّرف الظنوبي عِنْده على الْمَشَايِخ الشاميين ابْن الطَّحَّان وَابْن بردس وَابْن نَاظر الصاحبة بِحَضْرَتِهِ فَسمع عَلَيْهِم، وَكَذَا حَدثهُ الزين قَاسم الْحَنَفِيّ بِمُسْنَد أبي حنيفَة فِي آخَرين، وَكَانَ ينظم لكنه لعدم ارتضائه لَهُ لم يكن يُثبتهُ وَلَا يعتني بتهذيبه سِيمَا وَأَكْثَره بديهة وَقد قَالَ لمن رام مدح كريم الدّين بن كَاتب المناخات اجْعَل قصيدتك ميمية وَيكون مخلصها:
(وافتخرت مصر على غَيرهَا ... بطلعة الصاحب عبد الْكَرِيم)
وَكَذَا من نكته فِي مَحل أنسه فِي الرّبيع قَوْله لبَعض الثُّقَلَاء مِمَّن امتدت إِلَيْهِ ألسن الْجَمَاعَة بالبسط والخلاعة فَكَانَ من قَوْلهم هُوَ جبل مقطم فَقَالَ هُوَ لَا بل جبل حراء إِلَى غير هَذَا مِمَّا أوردت مِنْهُ فِي الْجَوَاهِر والوفيات بعضه، وَمَعَ مَا سل من أَوْصَافه كَانَ منجمعاص عَن مُعَارضَة أَبِيه فِيمَا لَا يرتضيه بل كَانَ يَكْظِم غيظه ويصبر وَلَا يبعد عَن الْميل إِلَى اللَّهْو والطرب على قَاعِدَة الْعُقَلَاء)
والرؤساء من الْمُلُوك مَعَ إِقَامَة الناموس وَالْحُرْمَة لشهامة كَانَت فِيهِ وَقد انْتفع شَيخنَا بمساعدته كثيرا وَلَو عَاشَ لم يتَّفق لَهُ مَا وَقع وَكَانَ شَيخنَا يثني عَلَيْهِ بالفهم وَالْحِفْظ وتعجب من اجْتِمَاعهمَا، وَلم يزل على جلالته وعلو مكانته إِلَى أَن ابْتَدَأَ بِهِ الوعك فِي سنة سبع وَأَرْبَعين فدام قدر نصف سنة ثمَّ عوفي ثمَّ انتكس فِي أَوَائِل شَوَّال وأصابه السل فَصَارَ ينقص