ينظم شعرًا عجيبا غالبه غير مَوْزُون وَلذَا كَانَ يخفيه كثيرا إِلَّا عَن من يخْتَص بِهِ مِمَّن لَا يدْرِي الْوَزْن، وَهُوَ مِمَّن قرض سيرة الْمُؤَيد لِابْنِ ناهض بلَى كَانَ أعجوبة دهره فِي حسن التَّقْرِير بِحَيْثُ كَانَ بَين لِسَانه وقلمه كَمَا بَينه هُوَ وآحاد طلبته، وأقرأ التَّنْبِيه والوسيط وَشرح الألفية لِابْنِ المُصَنّف وَكتب عَلَيْهِ تصنيفا والتسهيل والكشاف والمطول وَكتب عَلَيْهِ شرحا سَمَّاهُ الْمعول والمختصر وَكتب عَلَيْهِ شَيْئا سَمَّاهُ سبك النَّضِير فِي حَوَاشِي الشَّرْح الصَّغِير كل هَذَا مَعَ الإنجماع عَن بنيالدنيا وَترك التَّعَرُّض للمناصب ومهابته فِي النُّفُوس. وَقد نفق لَهُ سوق فِي الدولة المؤيدية وكارمه السُّلْطَان عدَّة مرار بجملة من الذَّهَب وَمَعَ ذَلِك فَكَانَ يمْتَنع من الِاجْتِمَاع بِهِ ويفر إِذا عرض عَلَيْهِ ذَلِك وَحضر الْمجْلس الْمَعْقُود للهروي فَلم يتَكَلَّم فِي جَمِيع النَّهَار كُله مَعَ التفاتهم إِلَيْهِ واستدعائهم للْكَلَام مِنْهُ بل سَأَلَهُ السُّلْطَان يَوْمئِذٍ عَن تصنيفه فِي لعب الرمْح فَجحد أَن يكون صنف فِيهِ شَيْئا، وَكَانَ يبر أَصْحَابه ويساويهم فِي الْجُلُوس ويبالغ فِي إكرامهم ويديم الطَّهَارَة)
فَلَا يحدث إِلَّا تَوَضَّأ وَلَا يتْرك أحدا يستغيب عِنْده أحدا هَذَا مَعَ مَا هُوَ فِيهِ من محبَّة الفكاهة والمزاح واستحسان النادرة وَكَونه لَا يتحاشى عَن مَوَاضِع النزه والمفترجات وَيَمْشي بَين الْعَوام وَيقف على حلق المناقفين وَنَحْوهم وَرُبمَا يركب الْحمار إِذا ابعد ويقتصد فِي ملبسه، وَلم يتَّفق لَهُ الْحَج مَعَ حرص أَصْحَابه لَهُ عَلَيْهِ وَلَا تزوج بلَى كَانَت عِنْده زَوْجَة أَبِيه فَكَانَت تقوم بِأم بَيته وَهُوَ يبرها وَيحسن إِلَيْهَا وَكَانَ يعاب بالتزين بزِي الْعَجم من طول الشَّارِب وَعدم السِّوَاك حَتَّى سَقَطت أَسْنَانه. ذكره شَيخنَا فِي انبائه ومعجمه بحاصل مَا تقدم، وَقَالَ فِي الأنباء: لازمته من سنة تسعين إِلَى أَن مَاتَ وَكَانَ يودني كثيرا وَيشْهد لي فِي غيبتي بالتقدم ويتأدب معي إِلَى الْغَايَة مَعَ مبالغتي فِي تَعْظِيمه حَتَّى كنت لَا أُسَمِّيهِ فِي غيبته إِلَّا إِمَام الْأَئِمَّة، وَكَذَا قَالَ فِي المعجم: أخذت عَنهُ شرح منهاج الْأُصُول وَفِي جمع الْجَوَامِع وَفِي الْمُخْتَصر ابْن الْحَاجِب وَفِي المطول وقرأت عَلَيْهِ يَعْنِي أَشْيَاء مِنْهَا الْخَامِس من مُسْند السراج وَوَصفه بِالْإِمَامِ الْعَلامَة الفهامة الفريد الْأَصِيل، وَأَجَازَ لي غير مرّة ولأولادي. مَاتَ فِي الْعشْرين من ربيع الآخر سنة تسع عشرَة بعد انْقِضَاء الطَّاعُون وَكَانَ هُوَ فِي غَايَة الِاحْتِرَاز مِنْهُ بِحَيْثُ أَنه لم يدْخل فِي تِلْكَ الْأَيَّام الْحمام وَامْتنع من مأكولات ومشروبات عينهَا لأَصْحَابه فَلَمَّا ارْتَفع وَظن السَّلامَة مِنْهُ دخل الْحمام وَتصرف فِيمَا كَانَ احتمى مِنْهُ فأصيب وَاشْتَدَّ أَسف النَّاس عَلَيْهِ وَلم يخلف بعده مثله، وَمِمَّنْ تَرْجمهُ ابْن قَاضِي شُهْبَة والمقريزي فِي عقوده وَأَنه كَانَ فِي آخر عمره