رزين والتنوخي والابناسي ابْن خلدون وَابْن خير فِي آخَرين واستفاد من الزين الْعِرَاقِيّ، وَلم يكثر بل كَمَا قَالَ شَيخنَا لم يطْلب الحَدِيث أصلا وَلَا اشْتغل بِهِ وَإِنَّمَا وَقع لَهُ ذَلِك اتِّفَاقًا، وَكَانَ فِي شبيبته نَابِغَة فِي الطّلب وَلم يزل يدأب فِي الْعُلُوم ويتطلب الْمَنْطُوق مِنْهَا وَالْمَفْهُوم حَتَّى تقدم فِي الْفِقْه والأصلين والعربية واللغة والمعاني وَالْبَيَان والمنطق وَالْحكمَة والجبر والمقابلة والطب والهيئة والهندسة والحساب وَصَارَ إِمَام عصره وفريد دهره وَيُقَال أَنه قَالَ مرّة أعرف نَحْو عشْرين علما لي نَحْو عشْرين سنة مَا سُئِلت عَن مسئلة مِنْهَا، مَعَ تجرع مَا كَانَ فِيهِ من الْفَاقَة والتقلل الزَّائِد بِحَيْثُ أخبر عَن نَفسه كَمَا قَالَ المقريزي أَنه كَانَ ينَام على قَشّ الْقصب وَبِمَا مَضَت الْأَيَّام وَلَيْسَ مَعَه الدِّرْهَم بِحَيْثُ يضْطَر لبيع بعض نفائس كتبه إِلَى أَن تحرّك لَهُ الْحَظ وَأَقْبل عَلَيْهِ السعد فَأثْنى عَلَيْهِ البنان وَاللَّفْظ فَكَانَ أول تدريس وليه تدريس الْفِقْه بالشيخونية فِي سنة خمس وَثَمَانمِائَة ثمَّ بالصاحبية وولاه جمال الدّين تدريس الْفِقْه بمدرسته أول مَا فتحت سنة إِحْدَى عشرَة وعظمه جدا مَعَ كَونه أفتى بِالْمَنْعِ من قتل من كَانَ غَرَضه قَتله مُخَالفا فِي ذَلِك أهل مذْهبه حَتَّى قاضيهم وَمَا اقْتصر على ذَلِك بل أحسن إِلَيْهِ أَيْضا، ثمَّ مشيخة التربة الناصرية فرج بن برقوق بالصحراء فِي سنة ثَمَانِي عشرَة بعناية نَائِب الْغَيْبَة الْأَمِير ططر ثمَّ قَضَاء الْمَالِكِيَّة بالديار المصرية فِي خَامِس عشرى جُمَادَى الأولى سنة ثَلَاث)
وَعشْرين بعد موت الْجمال عبد الله بن مقداد الأقفهسي وَذَلِكَ فِي آخر أَيَّام الْمُؤَيد وَقدمه على قَرِيبه الْجمال يُوسُف رغب فِيمَا ذكر لَهُ عَنهُ من الْفَاقَة وَالتَّعَفُّف مَعَ سَعَة الْعلم وَكَونه أفقه وَأكْثر معرفَة بالفنون مِنْهُ وَإِن كَانَ الْجمال أسن وأدرب بِالْأَحْكَامِ وأشهم كَمَا قَالَه شَيخنَا فيهمَا، هَذَا بعد أَن كَانَ نَاب قَدِيما عَنهُ حِين كَانَ قَاضِيا بل وناب أَيْضا عَن غَيره كَمَا قَالَ شَيخنَا ثمَّ ترك، وَكَانَت لشَيْخِنَا فِي ولَايَته البد الْبَيْضَاء على مَا بَلغنِي مَعَ قيام ططر أَيْضا وَكَذَا اسْتَقر فِيمَا كَانَ مَعَ الْجمال الْمَذْكُور من التداريس بالبرقوقية والفخرية والقمحية وَرغب عَن الشيخونية حِينَئِذٍ لِلشِّهَابِ بن تقى لكَونه كَانَ عين للبرقوقية فاختارها القَاضِي لقربها مِنْهُ وَأَعْطَاهُ الصاحبية أَيْضا وَاسْتمرّ على ولَايَته إِلَى أَن مَاتَ، وسافر مَعَ السُّلْطَان فِي جملَة الْقُضَاة والخليفة مرّة بعد أُخْرَى، بل وجاور بِمَكَّة سنة بَينهمَا وَكَانَ القَاضِي هُنَاكَ على قدم عَظِيم من الْعِبَادَة وَكَثْرَة التِّلَاوَة وأقرأ كتبا وانتفع بِهِ جمَاعَة امتدحه مِنْهُم أَبُو السعادات بن ظهيرة، وَكَانَ إِمَامًا عَلامَة عَارِفًا بفنون الْمَعْقُول والعربية والمعاني وَالْبَيَان والأصلين متواضعا لينًا سريع الدمعة رَقِيق الْقلب محبا فِي السّتْر والصفح وَالِاحْتِمَال طارحا للتكلف رُبمَا صَاد السّمك.