يَبْتَدِئ كتابا فيصنف مِنْهُ قِطْعَة ثمَّ يتْركهُ وقلمه لَا يشبه لِسَانه، وَقَالَ الْأَذْرَعِيّ:)

لم أر أحفظ لنصوص الشَّافِعِي مِنْهُ بل قَالَ الْبُرْهَان الْحلَبِي: رَأَيْته رجلا فريد دهره لم تَرَ عَيْنَايَ أحفظ للفقه وَأَحَادِيث الْأَحْكَام مِنْهُ وَقد حضرت دروسه مرَارًا وَهُوَ يقرئ فِي مُخْتَصر مُسلم للقرطبي يَقْرَؤُهُ عَلَيْهِ شخص مالكي ويحضر عِنْده فُقَهَاء الْمذَاهب الْأَرْبَعَة فيتكلم على الحَدِيث الْوَاحِد من بكرَة إِلَى قريب الظّهْر وَرُبمَا أذن الظّهْر وَهُوَ لم يفرغ من الحَدِيث قَالَ: وَلم أر أحدا من الْعلمَاء الَّذين أدركتهم بِجَمِيعِ الْبِلَاد وَاجْتمعت بهم إِلَّا وهم يعترفون بفضله وَكَثْرَة استحضاره وَأَنه طبقَة وَحده فَوق جَمِيع الْمَوْجُودين حَتَّى أَن بعض النَّاس يقدمهُ على بعض الْمُتَقَدِّمين، وَنَحْوه قَول شَيخنَا فِي مشيخة الْبُرْهَان أَنه اسْتمرّ مُقبلا على الِاشْتِغَال متفرغا للتدريس وَالْفَتْوَى إِلَى أَن عمر وَتفرد وَلم يبْق من يزاحمه وَكَانَ كل من اجْتمع بِهِ يخضع لَهُ لِكَثْرَة استحضاره حَتَّى يكَاد يقطع بِأَنَّهُ يحفظ الْفِقْه سردا من أول الْأَبْوَاب إِلَى آخرهَا لَا يخفى عَلَيْهِ مِنْهُ كَبِير أَمر وَكَانَ مَعَ ذَلِك لَا يحب أَن يدرس إِلَّا بعد المطالعة، وَقَالَ فِي مُعْجَمه: وَذكر لي وَلَده الْجلَال أَنه كَانَ يلقى الْحَاوِي دروسا فِي أَيَّام يسيرَة من أغربها أَنه أَلْقَاهُ فِي ثَمَانِيَة أَيَّام، وَذكر لي الْبُرْهَان أَن الشَّيْخ قَالَ لَهُ أَنه كَانَ يحفظ من الْمُحَرر صفحة من وَقت ابْتِدَاء فلَان الْأَعْمَى صَلَاة الْعَصْر إِلَى انتهائه قَالَ: وَلم يكن يطول فِي صلَاته وَأَنه كَانَ يسْرد مُنَاسبَة أَبْوَاب الْفِقْه فِي نَحْو كراسة ويطرز ذَلِك بفوائد وشواهد بِحَيْثُ يقْضِي سامعه بِأَنَّهُ يستحضر فروع الْمَذْهَب كلهَا، ثمَّ قَالَ شَيخنَا: وَذكر الْكَمَال الدَّمِيرِيّ أَن بعض الْأَوْلِيَاء قَالَ لَهُ أَنه رأى قَائِلا يَقُول أَن الله يبْعَث على رَأس كل مائَة سنة لهَذِهِ الْأمة من يجدد لَهَا دينهَا بدئت بعمر وختمت بعمر، قَالَ شَيخنَا: واشتهر اسْمه فِي الْآفَاق وَبعد صيته إِلَى أَن صَار يضْرب بِهِ الْمثل فِي الْعلم وَلَا تركن النَّفس إِلَّا إِلَى فتواه وَكَانَ موفقا فِي الْفَتْوَى يجلس لَهَا من بعد صَلَاة الْعَصْر إِلَى الْغُرُوب وَيكْتب عَلَيْهَا من رَأس الْقَلَم غَالِبا وَلَا يأنف إِذا أشكل عَلَيْهِ شَيْء من مُرَاجعَة الْكتب وَلَا من تَأْخِير الْفَتْوَى عِنْده إِلَى أَن يُحَقّق أمرهَا وَكَانَ ينقم عَلَيْهِ تَفْسِير رَأْيه فِي الْفَتْوَى وَمَا كَانَ ذَلِك إِلَّا لسعة دائرته فِي الْعلم وَكَانَ فِيهِ من الْقُوَّة الحافظة وَشدَّة الذكاء مَا لم يُشَاهد فِيهِ مثله، وَفِي شرح ذَلِك طول قَالَ: وَكَانَ وقورا حَلِيمًا مهيبا سريع البادرة سريع الرُّجُوع ذَا همة عالية فِي مساعدة أَصْحَابه)

وَأَتْبَاعه قَالَ: وَكَانَ مَعَ توسعه فِي الْعُلُوم يتعانى النّظم فَيَأْتِي مِنْهُ بِمَا يستحي من نسبته إِلَيْهِ وَرُبمَا لم يقم وَزنه، وَصَارَ يتعانى عمل المواعيد وَيقْرَأ عَلَيْهِ وَيتَكَلَّم فِي التَّفْسِير بِكَلَام فائق وينشد من شعره الْحسن المعني الركيك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015