والبرهان بن ظهيرة وَقُرِئَ عَلَيْهِ بعضه بِمَكَّة وَكَذَا ألف غير مَا ذكر وَمن ذَلِك الْكِتَابَة على إِيضَاح النَّوَوِيّ فِي الْمَنَاسِك، وَالْتمس من صاحبنا النَّجْم بن فَهد تَخْرِيج شَيْء مِمَّا تقدم لَهُ فَفعل وعظمه فِي الْخطْبَة وَزَاد وَمَات قبل إكماله فبيضه وَلَده متمما لما أمكنه فِيهِ وَقدم من الْمَدِينَة إِلَى مَكَّة فِي رَمَضَان سنة سِتّ وَثَمَانِينَ رَفِيقًا لِابْنِ الْعِمَاد قبل وُقُوع الْحَرِيق بِالْمَدِينَةِ فَسلم من هَذِه الْحَادِثَة وَلَكِن احترقت جَمِيع كتبه وَهِي شَيْء كثير، وسافر إِلَى الْقَاهِرَة فِي موسمها رَفِيقًا للمذكور أَيْضا فدخلاها وَلَقي السُّلْطَان فَأحْسن إِلَيْهِ بمرتب على الذَّخِيرَة وَغَيره بل ووقف هُوَ وَغَيره على الْمَدِينَة كتبا من أَجله ورسم بسعايته بسد السرداب المواجه للحجرة الشَّرِيفَة والمتوصل مِنْهُ لدور الْعشْرَة لما كَانَ يحصل فِيهِ من الْفساد مَعَ معاكسة ابْن الزَّمن لَهُ فِيهِ وَكَانَت الْمصلحَة فِي سَده، وَشهد موت ابْن الْعِمَاد ثمَّ سَافر لزيارة أمه فَمَا كَانَ بأسرع من مَوته بعد لِقَائِه لَهَا ثمَّ توجه فزار بَيت الْمُقَدّس وَعَاد إِلَى الْقَاهِرَة ثمَّ إِلَى الْمَدِينَة ثمَّ إِلَى مَكَّة فحج ثمَّ رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَة مستوطنا مُقْتَصرا على إِمَاء وابتنى لَهُ بَيْتا ولقيته فِي كلا الْحَرَمَيْنِ غير مرّة وغبطته على استيطانه الْمَدِينَة وَصَارَ شيخها قل أَن لَا يكون أحد من أَهلهَا لم يقْرَأ عَلَيْهِ وَاسْتقر بِهِ الْأَشْرَف بعناية البدري أبي الْبَقَاء فِي النّظر على الْمجمع بمدرسته وَمَا بِهِ من الْكتب الَّتِي أوقفها فِيهِ وَصَارَ الْمُتَكَلّم فِي مصارف الْمدرسَة المزهرية فِيهَا مَعَ الصّرْف لَهُ من الصَّدقَات الرومية كالقضاة وَذَلِكَ مائَة دِينَار وَرُبمَا تنقص وَمَا أضيف إِلَيْهِ من التدريس مِمَّا وَقفه ملك الرّوم وانقياد الْأَمِير دَاوُد بن عمر لَهُ فِي صدقاته لأهل الْحَرَمَيْنِ حِين حج بل وَاشْترى من أَجله كتبا وَقفهَا وَكَذَا انْقَادَ لَهُ ابْن جبر وَغَيره فِي أَشْيَاء هَذَا لما تقرر)
عِنْدهم من علمه وتدينه وَمَعَ ذَلِك فَهُوَ يتكسب بِالْبيعِ وَالشِّرَاء بِنَفسِهِ وبمندوبه وَرُبمَا عَامل الشريف أَمِير الْمَدِينَة، وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ إِنْسَان فَاضل متفنن متميز فِي الْفِقْه والأصلين مديم الْعَمَل وَالْجمع والتأليف مُتَوَجّه لِلْعِبَادَةِ وللمباحثة والمناظرة قوي الجلادة على ذَلِك طلق الْعبارَة فِيهِ مغرم بِهِ مَعَ قُوَّة نفس وتكلف خُصُوصا فِي مناقشات لشَيْخِنَا فِي الحَدِيث وَنَحْوه وَرُبمَا أَدَّاهُ الْبَحْث إِلَى مخاشنة مَعَ المبحوث مَعَه وَقد يَنْتَهِي فِي ذَلِك لما لَا يُطيق بجلالته ويتجرأ عَلَيْهِ من لم يرتق لوجاهته وَلَو أعرض عَن هَذَا كُله لَكَانَ مجمعا عَلَيْهِ وعَلى كل حَال فَهُوَ فريد فِي مَجْمُوعه وَلأَهل الْمَدِينَة بِهِ جمال والكمال لله. وَلَا زَالَت كتبه ترد عَليّ بِالسَّلَامِ وَطيب الْكَلَام.
وَفِي تَرْجَمته من تَارِيخ الْمَدِينَة والتاريخ الْكَبِير والمعجم زِيَادَة على مَا هُنَا من نظم وَغَيره، وَمِمَّا كتبته عَنهُ من نظمه:
(أَلا إِن ديوَان الصبابة قد سبا ... بِمَا صب من حسن الصِّنَاعَة إِن سبا)