الْعِمَامَة الزَّرْقَاء ثمَّ لم يزل يثير العجاج وينشر عَنهُ العلاج بل هُوَ قَائِم فِي مسئلة ابْن الفارض ونظم فِيهَا قبائح ثمَّ تعدى إِلَى تأييد ابْن عَرَبِيّ وَصَارَ يطوف بِكَلَامِهِ على الْمجَالِس وَفِي الْأَسْوَاق وَيُصَرح باعتقاده واعتقاد كَلَامه بل قيل أَنه صنف فِي إِيمَان فِرْعَوْن وَكَذَا رد على البقاعي فِي مسئلة لَيْسَ فِي الْإِمْكَان وَسيرَته مَشْهُورَة فَلَا فَائِدَة فِي الإطالة بهَا هَذَا مَعَ استفاضة الثَّنَاء على أَبِيه وَكَونه فِي الدّيانَة والورع الْفَائِق الْوَجِيه حَتَّى أَنه بَلغنِي أَنه كَانَ إِذا اشْترى شَيْئا من القماش الَّذِي جرت الْعَادة فِيهِ بذرع معِين وَزَاد عَلَيْهِ دفع ثمن الزَّائِد وَلذَا لما جلس ابْنه بحانوته فِي البربسوق الفسقية وَلم يقتف أَثَره بل زَاد فِي الْفسق وَالْفساد كَاد الْعَامَّة قَتله وَحِينَئِذٍ تحول لحانوت بالكتبيين وَصَارَت لَهُ خبْرَة بِكَثِير من الْكتب وَالله يهلكه ويقصمه أَو يَتُوب عَلَيْهِ ولرشده يلهمه وَقد كتبت عَنهُ قَدِيما مَا كتب بِهِ لشَيْخِنَا وَهُوَ:
(يَا من قطفتم من الْآدَاب أزهارا ... وَمن عُلُوم النهى وَالنَّقْل أثمارا)
)
الأبيات الَّتِي أودعتها مَعَ جَوَاب شَيخنَا الْجَوَاهِر والدرر وَكَذَا قَوْله فِي بعض حجاته سنة سِتّ وَسبعين:
(وعاص لأمر الله تَابَ من الذَّنب ... وأقلع إقلاع الْمُنِيب إِلَى الرب)
(وَأحرم من مِيقَاته وَقت سيره ... إِلَى مَكَّة إِحْرَام مُعْتَمر صب)
(ولبى بِأَلْفَاظ النَّبِي مُحَمَّد ... وَصلى عَلَيْهِ بِاللِّسَانِ وبالقلب)
(وَطَاف بِبَيْت الله أعظم بنية ... وَصلى لَهُ خلف الْمقَام مَعَ الركب)
(وَبعد سعى سبعا كَمَا طَاف سَبْعَة ... على قدم مكشوفة الْمشْط والكعب)
(وَأحرم بعد الْحلق لَكِن بِحجَّة ... تلت عمْرَة فِي أشهر الفض وَالنَّدْب)
(وزار مَعَ الْحجَّاج قبر مُحَمَّد ... عَلَيْهِ صَلَاة الله فِي الشرق والغرب)
وَمن ماجرياته أَن ابْن قَاسم قَالَ فِي حل الْحَاوِي كَمَا قرأته بِخَطِّهِ مؤرخا لَهُ فِي ثامن عشري الْمحرم سنة ثَمَان وَخمسين:
(لَئِن ظلت الطلاب فِي الحكم وَالْفَتْوَى ... فللحل وَالْحَاوِي هما الْغَايَة القصوى)
(لقد كَانَ قبل الْحل يخفي بَيَانه ... إِلَى أَن أَتَى سبط براهينه تقوى)
(بِحل شراب طَابَ عرفا يخاله ... وَكَانَ مداد الْكل من وَالِد روى)
وَقَالَ أَيْضا:
(سلافة حاوينا زلال مبرد ... وَحل شراب عرفه لَك يشْهد)
(كسبط لَهُ خَال من الْفضل عَمه ... فَوَائِد من جد فَنعم المآخذ)
(فبادر لَهُم تسمو فمسعاهم حمد ... وتقليدهم حق وفتواهم قصد)
فَكتب التَّاج تَحت خطه مِمَّا سمعته من لَفظه مؤرخا لَهُ بتاسع عشري الشَّهْر الْمَذْكُور: