وَاعْتَمدهُ ابْنا عليبة والرئيس يحيى وَغَيرهم فِي الْغَيْبَة والحضور وَملك دورا بِمَكَّة وَغَيرهَا بل وجدد بالسروجيين من الْقَاهِرَة مكتبا للايتام وسبيلا، وَعرف بالحزم والضبط لشأنه وَعدم التبسط فِي معيشته مَعَ الْمُحَافظَة على التِّلَاوَة وَالْجَمَاعَات وَالطّواف ومشاهد الْخَيْر وبذل الزَّكَاة للمستحقين وَنَحْوهم والميل للصالحين كالكمال إِمَام الكاملية والاكثار من ذكر كرامتهم وأحوالهم والتودد لَهُم، وَلم يزل على طَرِيقَته حَتَّى مَاتَ بعد زَوجته بِيَسِير فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة تسع وَثَمَانِينَ بِمَكَّة وَدفن بالمعلاة وَكَانَ قد كتب بِحمْلِهِ مَعَ نَائِب جدة إِلَى الْقَاهِرَة بِسَبَب تَركه زَوجته فِيمَا قيل وَغَيرهَا فَمَا أمكن لكَونه كَانَ فِي ضعف مَوته، وَتَفَرَّقَتْ تركته لاخْتِلَاف بنيه وَغَيره رَحمَه الله وَعَفا عَنهُ.
547 - عبد الْعَزِيز بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أبي بكر بن يحيى بن إِبْرَاهِيم بن يحيى بن عبد الْوَاحِد بن عمر بن يحيى أَبُو فَارس بن أبي الْعَبَّاس الهنتاتي الحفصي / ملك الْمغرب وَصَاحب تونس وَهُوَ بكنيته أشهر. قَالَ شَيخنَا فِي انبائه قَرَأت بِخَط صاحبنا أبي عبد الله مُحَمَّد بن عبد)
الْحق التّونسِيّ فِيمَا كتب من سيرته أَنه بلغه أَنه كَانَ لَا ينَام من اللَّيْل إِلَّا قَلِيلا بل حزر بِقدر أَربع سَاعَات لَا تزيد قطّ وَرُبمَا نقصت وَأَنه لَيْسَ لَهُ شغل سوى النّظر فِي مصَالح ملكه وَأَنه كَانَ يُؤذن بِنَفسِهِ ويؤم بِالنَّاسِ فِي الْجَمَاعَة وَيكثر من الذّكر وَيقرب أهل الْخَيْر وَأَنه أبطل كثيرا من التركات والمفاسد بتونس كالعيالة وَهُوَ مَكَان يُبَاع فِيهِ الْخمر للفرنج يتَحَصَّل مِنْهُ شَيْء كثير فِي السّنة ولأكثر الْجَيْش عَلَيْهِ رواتب وعوضهم عَنهُ وَكَذَا المكوس بِحَيْثُ لم يكن ببلاده كلهَا شَيْء مِنْهَا وَأَنه شكى إِلَيْهِ قلَّة الْقَمْح بِالسوقِ فَدَعَا تجاره فَعرض عَلَيْهِم قمحا من عِنْده وَقَالَ أُرِيد بَيْعه بِدِينَار وَنصف فاسترخصوه فَأمر بِبيعِهِ بذلك السّعر وَأَن لَا يَشْتَرِي من غَيره بأزيد فاحتاجوا لبيع مَا عِنْدهم كَذَلِك فَترك هُوَ حِينَئِذٍ البيع فَبَلغهُ أَنهم زادوا قَلِيلا فَأمر بِبيع مَا عِنْده بِدِينَار فَقَط وَتقدم إِلَى خازنه انه إِن وجد الْقَمْح فِي السُّوق لَا يَبِيع شَيْئا وَإِلَّا بَاعَ بِدِينَار فاضطربوا إِلَى أَن مَشى الْحَال فَكَانَت من أحسن الْحِيَل فِي تمشية حَال النَّاس، وَإنَّهُ كَانَ محافظا على عمَارَة الطرقات بِحَيْثُ أمنت القوافل فِي أَيَّامه بِجَمِيعِ بِلَاده وَإنَّهُ حضر محاكمة مَعَ مُنَازع لَهُ فِي بُسْتَان إِلَى القَاضِي فَحكم عَلَيْهِ فَقبل الحكم وأنصف الْغَرِيم وَإنَّهُ كَانَ يُبَالغ فِي أَخذ الزَّكَاة وَالْعشر وَإِذا مر فِي السُّوق يسلم وَلَا يلبس الْحَرِير وَلَا يجلس عَلَيْهِ وَلَا يتختم بِالذَّهَب إِلَى غير ذَلِك من المحاسن، وَكَانَت صدقاته إِلَى الْحَرَمَيْنِ بل وَإِلَى جمَاعَة من الْعلمَاء والصلحاء بِالْقَاهِرَةِ وَغَيرهَا مستمرة فَأرْسل يَسْتَدْعِي نُسْخَة من فتح الْبَارِي