جرحا يعني أنه لم يقف له على ما يوجب جرحه فيما وقف عليه من حديثه، ولا شك أن هذا مما ينفع الراوي، فإن كان الراوي ممن روى عنه جمع من الثقات، ولم يأت بما ينكر كان ممن يحتمل حديثه، وإن لم يكن كذلك كان سكوته عنه نافعا لذلك الراوي، وناقلا له عن الضعف الشديد الذي لا يصلح معه الاعتداد برواية ذلك الراوي في المتابعات والشواهد ونحو ذلك، والله أعلم.
ويزيد ذلك بيانا ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل "2/ 38": وقصدنا بحكايتنا الجرح والتعديل في كتابنا هنا إلى العارفين به العالمين له متأخرا بعد متقدم، إلى أن انتهت بنا الحكاية إلى أبي وأبي زرعة رحمهما الله، ولم نحك عن قوم قد تكلموا في ذلك لقلة معرفتهم به، ونسبنا كل حكاية إلى حاكيها، والجواب إلى صاحبه، ونظرنا في اختلاف أقوال الأئمة في المسئولين عنهم، فحذفنا تناقض قول كل واحد منهم، وألحقنا بكل مسئول عنه ما لاق به، وأشبهه من جوابهم، على أنا قد ذكرنا أسامي كثيرة مهملة من الجرح والتعديل، كتبناها ليشتمل الكتاب على كل من روى عنه العلم رجاء وجود الجرح والتعديل فيهم، فنحن ملحقوها بهم من بعد إن شاء الله تعالى. ا. هـ.
قلت: وابن أبي حاتم إمام من أئمة الجرح والتعديل، فمع أنه لا يكاد يدع راويا إلا سأل عنه أباه أو أبا زرعة إلا أنه له نقده الخاص ومعرفته بالحديث ونقلته، فإيراده الراوي يدل على أنه وقف على بعض أحاديثه أو على الأقل حديث أو حديثين، وعدم ذكره جرحا في الراوي مع ذلك يدل على أنه لا يرى في هذا القدر من حديثه بأسا، وإن كان قد يكون هذا القدر من رواياته لا يكفي في إطلاقه القول بتوثيقه، فعدم ذكره الجرح والحالة هذه مما ينفع الراوي، والله أعلم.
وقد ذكر هذا أحد أفراد مجموعة "التأليف والتحقيق للجميع" التي يتزعمها فضيلة الشيخ مصطفي بن العدوي فيما سماه بتحقيق علل ابن أبي حاتم، وهو المسمى بـ"نشأت كمال"، قدم له فضيلة الشيخ: "أبو عبد الله مصطفي ابن العدوي"، فذكر الأول ستة من الرواة ادعى أن ابن أبي حاتم سكت عنهم في