وإما لقرائن وأحوال مشاهدة منه - صلى الله عليه وسلم - , ومثل هذا لا يتصور في غير الصحابة. وأما من يجوز وقوع الإجماع عن القياس فيلزمه الخلاف المذكور وسنبين هذا في كتاب الاستنباط, إذا تبين ما هو المعنى الذي يعنونه بالقياس في هذه الصناعة.

137-وأما هل يتناول أيضا لفظة الأمة جميع الشخوص المجتهدين في ذلك العصر حتى إن شذ منهم واحد لم يكن إجماعا, أم يراد به الأكثر, فالظاهر من الصيغ الواردة في ذلك تناول جميعهم. وبالجملة فالنظر في هذه الأحوال المشترطة في الإجماع يشبه أن يكون اجتهاديا. وأما إذا نقل عن أكثرهم أيضا قول, وسكت الباقون فمختلف فيه. والأظهر كما يقول الشافعي ألا ينسب إلى ساكت قول قائل, اللهم إلا أن يعلم من قرائن أحوال الساكتين أن سكوتهم ربما كان رضي منهم بالقول واتفاقا عليه, فإن الإنسان قد يسكت لأسباب شتى: إما أنه ليس عنده في ذلك الوقت في الشيء رأي, وإما إن كان عنده رأي في الشيء فقد تمنعه عن التصريح به موانع: منها أنه لعله يرى أن الحكم في محل الاجتهاد, أو أن كل مجتهد مصيب, أو هيبة ما, أو غير ذلك من قرائن تقترن له.

138-وإذا كان هذا هكذا وكان من شرط الإجماع اتفاق جميع المجتهدين الموجودين في ذلك العصر, فمن رأى إجماع أهل المدينة حجة لأنهم الأكثر في أول الإسلام فلا معنى له. لكن حذاق المالكيين إنما يرونه حجة من جهة النقل وهذا إذا بني فيه أن يجعل حجة فيما يظهر لي, فينبغي أن يصرح فيه بنقل العمل قرنا بعد قرن حتى يوصل بذلك إلى زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , فيكون ذلك حجة بإقراره له - صلى الله عليه وسلم -. مثل أن يقولوا: هكذا وجدنا آباءنا يفعلون, إلى أن ينتهي ذلك إلى زمن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015