اللغة وبلاغتها في الاستعمال، تختف باختلاف طبقات الكلام في تأليفه باعتبار تطبيقه على المقاصد والمعاني واحدة في نفسها"1.
ولشدة اهتمامه باللفظ وعنايته بالصورة جعل المعاني تابعة للألفاظ، فهي قوالب للمعاني، والصورة آنية لها، كالأواني تختلف في صورتها -مع الماء الواحد- من ذهب إلى فضة، ومن زجاج إلى صدف، فتختلف جودتها، كذلك الأمر في جودة اللفظ والصورة، إنما ترجع إلى حسن الاختيار وقوة الرصف وجمال التنسيق.
وتحديد ابن خلدون للشكل والصورة بما تقدم. يؤدي إلى الفصل التام بين اللفظ والمعنى، وضعف العلاقة بينهما، فالآنية منفصلة عن الماء، انفصال الثوب عن البدن كما ارتأى ذلك أبو هلال، واللفظ عنده لا حياة فيه ولا ماء، بل هو مجرد من الروح والحيوية.
ورد اختلاف الصورة إلى اختلاف الشكل مع اتحاد المعنى، وشبهها باختلاف المعادن مع اتحاد الماء بداخلها في كل معدن.
ويبدو في هذا عدم الدقة في فهمه للصورة الحقة، التي يستطيع الشاعر فيها أن يشكل من المعنى الواحد -كالمعدن الواحد- صورًا عدة مع أن عبد القاهر الجرجاني قد سبقه بذلك مما يدل على تسرع منه في فهم الشكل والصورة، وإن اتفق مع الجاحظ في الاهتمام باللفظ والصياغة.