أحدهم على الإتيان بالمفهوم الصحيح، كالإمام عبد القاهر الجرجاني، لظهر قصوره في الإحاطة والشمول كحد مانع، وإن وفى الصورة في تحليلها الأدبي، ووقف على منظم منابع الجمال فيها.
وأما موقف المتأخرين من النقاد حديثا في بيان مفهوم الصورة، فلا شك أنهم قطعوا شوطًا طويلًا، بقدر الزمن الذي باعد بينهم وبين المتقدمين، ولكنهم أيضًا لم يحددوها في إيجاز ببغيه المنطق، ولم يعرفوها في تركيز العلوم والرياضة؛ لأنهم فهموا جلال القضية، وسموا شأنها وقد لف الكثيرون حولها وداروا، فمنهم من اهتدى إلى كشفها وإيضاحها وتحليلها، وإلى مصادر الجمال فيها، ومنهم من ضل فلم يحسن التحديد، وند عنه التوضيح، وزاد من تيههم جميعًا في بيان المفهوم للصورة الشعرية، تلك الصراعات الذهبية الواردة حديثًا في الأدب والنقد، حى صار التوضيح هو الآخر صعبًا وشاقًّا، ولعل في هذا حفزًا للهمم، وقتلًا للفراغ، وحضا على مواصلة العلم والبحث، ما دامت الدنيا: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا} .
وأخشى أن يظن ظان أنني أضع العقبات لأصرفه عن التعمق في هذا البيان، أو على الأقل لينفرد الباحث هنا -بما وصل إليه- بالسبق والتقدير.
وأحسبني أنني لا أقصد هذا ولا ذاك، ولكن لأكشف عن حقيقة الخوض في هذا البحر العميق الذي لا قاع له ولا قرار في ذلك، هو سر الخلود والروعة والجلال.
ولا يظن أحد أيضًا أن المحدثين بانصرافهم عن التحديد والتركيز إلى التحليل والتوضيح قد عجزوا، ولكنهم باتجاههم هذا وصلوا في قوة ودقة إلى الكشف عن معالم الصورة، وبيان مظاهر الجمال فيها، فكان ذلك أكثر رفاء لنبل الصورة وتقديرًا لروعتها، وتوضيحًا لمغزاها وأثرها.