اللين ومن قال ذلك قد احتجبت عنه أسرار اللغة وجمالها المكنون المستمر، وروحها المتجددة النامية وليس لها -كما عند المناطقة- حدود جامعة، ولا قيود مانعة.
واللغة لسان الأحياء، وعقل الخلق، في تقلب دائم، وحركة مستمرة إلى الأمام، والعقل والإحساس في نمو مطرد، يختلف من وقت لآخر، ومن أمة إلى أمة وهما معها في جبل يختلفان عن نفسيهما معًا في جبل آخر، وهو شأن اللغة بصفة عامة، فما بالك لو ارتقى الإنسان إلى أسمى -وفي السمو تيه وغموض- ما في اللغة، وهو التصوير والإبانة بدقة عما في النفس، وكنهها الدفين المبهم، فلا شك أن المشقة في تحديد التصوير ستكون أعظم، والجهد أوفر وأضخم، وخاصة إذا كان بإيجاز في سطر أو سطرين، وفقرة أو فقرتين، على ما جرى عرفًا واصطلاحًا في التعاريف والحدود.
وأرى أن في هذا الاتجاه تقليلًا من شأن التصوير، وعبثا بمفهومه الواسع وعجزًا عن فهم حقيقته الممتدة الرحبة، رحابة الجمال واللذة والألم، التي لن يصل إلى كنهها إلا من غاب في الوجود -وهو حي بين الناس- ولا يستطيع أن يفهم أحدًا ولا يفهم منه أحد.
والأمر كذلك إن بقي مطمع في الإيجاز والتجديد، وهو ما لا يقره الذوق الصادق والعقل الناقب في القديم والحديث.
والمقدمون في النقاد والأدباء ومن تكلموا في الجمال -كالغزالي مثلًا- لم يقصدوا -ولا كان من قصدهم- التحديد والتركيز لمعنى الصورة الأدبية، بل لم يقع لبعضهم وإن وقع للبعض الآخر، فمنهم من جرت على لسانه عفوًا، ومنهم من قصدها ولم يضع لها حدًّا موجزًا، كما حدد الاستعارة والتشبيه وغير ذلك، ولو أوشك