ولذلك نعى العقاد على دعاة الوصف المحسوس الذي اشتغل به المقلدون زمنًا طويلًا "لظنهم أنهم يرتقون إلى ذروة الشعر كلما ارتقوا إلى ذروة التصوير والتشبيه بالمحسوسات"1 فالرسم في أصوله وقواعده ينقل المنظر ليعبر بذاته عن الأثر الجمالي، أما الصورة الشعرية فعمادها نقل التأثير الجمالي في نفس الشاعر إلى الآخرين. "إن وظيفة التصوير هي أن ينقل المرئي نقلًا تتوافر فيه معاني الجمال، مع مراعاة قوانين الرسم، والأصول التي ترجع إلى السنن المقررة. أما التأثير والواقع فشيء خارج عن المصور"2.
وقد استطاع أحد النقاد المعاصرين أن يطبق قوانين الرسم وأصوله على الصورة الأدبية فأعطاها إياها، وأعطى ما للرسم للصورة الأدبية، من التكامل والزاوية والإيحاء أو الظل والترابط والإطار وسماه المذهب التصويري3.
ويريد بذلك أن يصبغ النقد بالعلمية الموضوعية بخصائصه الدقيقة الكاملة وهو في هذا ينزل بالفن الأدبي إلى الشكلية المحضة، ولا يصح لتطبيقه على كل أجناس الأدب في شعر ونثر وخطبة ومقالة وقصة وأقصوصة ومسرحية وفن السيرة.
خامسًا:
الرسم التصويري يكون مجردًا عما يفيده من المشمومات والمذوقات، ولكنها قد توجد في التصوير الشعري، حتى لو استطاع الرسام أن يأتي بها في لوحته كالوردة مثلًا فإن جمودها فيها سيفقدها رائحتها، بينما حركتها التي تتبع النطق بها في الصورة الشعرية هي التي تولد فينا الشعور بالرائحة الزكية لها.