ثانيًا: الموقع
الشعر يعتمد على الموقع كما يعتمد على الحركة؛ لأنه فن زماني ومكاني معًا، فالكلمة السابقة تأخذ موقعًا في مرأى العين ودلالة في نفس المتلقي، وتتخذ لنفسها مكانًا في التركيب، يضفي عليها معنى آخر، أما فن الرسم فهو مكاني صرف؛ لأن الرسام يختار حيزًا ومكانًا من الطبيعة، لتعمل فيه ريشته أو إزميله، وأما الموسيقى فلا حظ لها من المكان والدلالة؛ لأنها سمعية فقط، تعتمد على التوقيعات الصوتية "الزمنية"، التي تتوالى وتتردد على طبلة الأذن، وعلى ذلك فالمادة عند الشاعر هي اللغة وقد تم تشكيلها.
وعند الرسام اللون مثلًا وهو مادة غفل لا تظهر إلا في توزيعها على رقعة الرسم. وهنا تظهر براعة الشاعر في تجاوزه ظاهر مادته الحسية إلى ما وراءها من الرموز والمشاعر ليصنع منها تركيبًا فنيًّا زاخرًا بالمشاعر والأحاسيس، بينما الرسام يعتمد في تشكيله للصورة على ظاهر المادة المحسوسة1، ولذلك تبدو صعوبة التصوير الشعري ومقدار ما يعانيه الشاعر من جهد، ومن هنا كانت أهمية الصورة الشعرية لما تزخر من معاني إنسانية فياضة ولا يحوي الرسم إلا وحيًا ضئيلًا منها عند نوابغ الرسامين أو المثالين.
ثالثًا: تصوير القبيح
الرسام التصويري أو التشكيلي يهتم في معظم أحواله بتصوير المناظر الحسنة، وإن صور المناظر القبيحة، فإنه يبعث الناظر على النفور والاشمئزاز؛ لأنه يعطي المنظر دفعة واحدة فيهجم على المتلقي ويفجؤه بدمامته، فتتقزز نفسه؛ "لأن المصور يستطيع