الشاعر من الداخل هو الصورة ولكننا لا نعرف حدودها ومعالمها إلا إذا خرجت عن نفسه وذاته في قالب؛ لأنها قبل تشكيلها في القالب كانت من عوالم الفكر والشعور وتنتمي إليه أكثر من انتمائها لواقعها في الخارج، وأصبحت ذاتية بعد أن كانت موضوعية قبل تمثيلها في النفس، فإذا أراد الشاعر أن يصور خد الحبيب الذي ملك عليه قلبه وشعوره بالتفاحة لانفعاله بهذا الجمال، وغليان شعوره وحرارة عاطفته، فيقوم بتركيبة تتمثل من المخزون في عالم الفكر والخيال، فيصنع من الذاتي بما فيه التفاحة تصويرًا واقعيًّا من خلال الصورة المحسة، التي تعتمد على وسائل فنية مختلفة، كقولنا: "في وجنتيها تفاحتان"، فلو لم تشكل هذه الصورة بتلك الوسائل التصويرية، لما وقفنا على الغرض منها، ولهذا ساغ لنا أن ندرس الشكل مستقلًّا، ويأتي المضمون تبعًا لفصول الدراسة.
والصورة في المثال السابق ليست كما هي في الواقع والطبيعة، ليست فكرًا مجردًا؛ لأنها مشدودة إلى عالم الفكر الوجداني من جهة، وإلى عالم المحسات من جهة أخرى وهذا هو الفرق الواضح في الجوهر بين الصورة التي خرجت من معالم الفن المصبوغ بالمشاعر والخواطر والعواطف، وبين الصورة المحسة في الطبيعة التي لم يحدد الفن العلاقات بين أجزائها. وتوضيح أسرار العلاقات بينها هو مناط الجمال في فن التصوير الأدبي.
وتظل صورة التفاحة وغيرها من الصور في ذهن الشاعر ينميها ويطورها ويتجاوب معها، ويبتكر لها الأشكال والمناسبات ليسلكها في صورة أخرى وهكذا.
ويضطرنا المفهوم السابق للصورة الأدبية أن نميز الفرق بينها وبين الرسم وبين الموسيقى، ثم بينها وبين الأسلوب، ثم منابع الصورة وخصائصها، وعناصرها والغاية منها. والهدف من تفضيلها على غيرها من الوسائل في التعبير، وبذلك تتضح معالم الصورة الأدبية.