الخلايا؛ والأمر كذلك في كل كلمة خلال بناء الأسلوب، فتصير الكلمة في موقعها من الجملة أو البيت كائنا حيا في ذاتها، وروحا تتجاويب مع أخواتها؛ لأن الكلمة لا تظهر حيويتها إلا في جوها الملائم لطبيعتها في الصورة، حينما تتعلق بثانية، وثالثة وهكذا. مما يوحي بالحقيقة في تعبير قوي وتصوير رائع، ولا يقف على هذه الأسرار اللغوية إلا العباقرة من الأدباء والشعراء.

وليس معنى ذلك أن الصورة الأدبية لمعنى واحد تتفق عند أكثر من شاعر لاتحاد المعنى فيها، ما دام تجرد الشاعر عما حوله واحدًا وأمرًا مشتركًا في الظاهر، فهذا غير صحيح، وليس الأمر كذلك؛ لأن وجود كل شاعر في تجرده هو ما يحول في نفسه من عوالم الفكر والشعور والأحاسيس والعواطف، وهو يختلف من شاعر لآخر، فلكل من الشعراء مزيج من الأفكار والمشاعر والعواطف حسب تكوينه المفرد، الذي لا يشترك فيه أحد غيره، كالشأن في البصمات في الإنسان، فلا تلتقي بصمة في إنسان مع بصمة أخرى في شخص آخر، وهو سر خالق الكون ومالك الوجود.

وهذا العمق في الصورة كما رأيت جعل البعض يتعجل في الحكم على الصورة بأنها أسطورية؛ لأنها تتسم بالغموض والإبهام ولا يمكن توضيحها لتقرب من الفهم والإدراك فقال هي: "الإدراك الأسطوري الذي تنعقد فيه الصلة بين الإنسان والطبيعة"1.

فهو يجعل العملية السابقة التي يقوم بها الأديب خرافة وأسطورة، ومن يريد أن يعرف الحقيقة، يركب أجنحة الخيال الجامح، فيتعرف على الوجود، ويصل إلى جوهر الحقيقة، ولا يصح هذا القول لسببين:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015