المقصود بالصورة الثانية. كان طبيعيًّا أن يخيل إلينا أن الصورة الأولى في اللغة، لا بد أن تكون في تنسيقها الصوتي فحسب. ذلك أن الدلالة المكانية "أو المفهومة" للألفاظ هي المعاني التي تدل عليها هذه الألفاظ، ولكن الحقيقة وطبيعة اللغة كما رأينا تحتم أن يكون التنسيق الصوتي والدلالة المفهومة معًا يمثلان الصورة الأولى في العمل اللغوي، وتظل الصورة الثانية فيه هي ما يفهم أو يحس وراء هذه الصورة بعنصريها. ومثل لها بقوله: "وعندما نقول: باب النجار مكسور، فإن الصورة الأولى لهذه العبارة تتمثل في التنسيق الزمني للعبارة كلها، با-بن-جا-ر-مك-سو-رن، وفي الدلالة المكانية المفهومة للباب والنجار والكسر ومن ثم لا تكون الصورة الأولى في العمل اللغوي هي الصورة الصوتية فقط، بل إنها تشمل كذلك الصورة المكانية، ثم يحدد معنى الصورة الثانية في هذا المثال بقوله: وكانت الصورة الثانية هي المعنى الذي وراء هذه الصورة الأولى بعنصريها الزماني والمكاني، أي بصوتها الموسيقي ودلالتها المكانية، وليكن هذا المعنى هو السخرية مثلًا1، وهذا اتجاه حرفي في فهم الصورة وقد فسر به الناقد قضية اللفظ والمعنى وحل مشكلتها حيث جعل المعنى لا ينفصل عن اللفظ، وذلك في الصورة الأولى والمعنى يكون قائمًا مستقلًّا بنفسه في الصورة الثانية، وعلى ذلك فقد انتهت المشكلة على يديه، فالذين يربطون بين اللفظ والمعنى يقفون عند الصورة الأولى، والذي يعتنقون المعنى يقصدون الصورة الثانية2.

وما انتهى على يديه اليوم هو ما أراده الإمام عبد القاهر من المعنى ومعنى المعنى. وما أراده النقاد جميعًا من دلالة الصورة أولًا. وما توحي به ثانيًا وهم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015